عدن بين الذاكرة والواقع.. هل كان الاستعمار أرحم من حكّام اليوم؟

2025-10-10 20:33
عدن بين الذاكرة والواقع.. هل كان الاستعمار أرحم من حكّام اليوم؟

زيارة الملكة اليزابث الثانية الى عدن ابريل 1954م

شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- خاص لــ "شبوة برس"

في خضم الواقع المأزوم الذي يعيشه الجنوب العربي اليوم، تتردد بين حين وآخر أصواتٌ تتساءل – بمرارة لا استهتار – عمّا إذا كانت حقبة الاستعمار البريطاني أكثر عدلًا وتنظيمًا من عهود ما بعد الاستقلال.

سؤالٌ صادم في ظاهره، لكنه نابع من إحساسٍ عميق بالخذلان بعد عقودٍ من التجارب القاسية التي مر بها الجنوب، من صراعاتٍ داخلية، وانقسامات، وحروبٍ متتالية، وانهيارٍ شبه كامل لمؤسسات الدولة والمجتمع.

 

كانت عدن، عشية رحيل بريطانيا في الثلاثين من نوفمبر 1967م، واحدة من أنشط المدن في الشرق الأوسط بل والعالم .

مدينةٌ بحرية مزدهرة، وميناؤها الثالث عالميًا بعد نيويورك وليفربول.

كانت الإدارة البريطانية قد تركت منظومةً مدنية متكاملة، من بنية تحتية وخدمات عامة ونظام إداري دقيق وصفه الخبراء المصريون حينها بأنه “الأحدث في المنطقة”.

 

غير أن ما تلا الاستقلال حمل خيبة الأمل.

تسلمت الجبهة القومية السلطة ورفعت شعارات التحرر والمساواة، لكنها سرعان ما غرقت في صراعاتٍ داخلية دامية، أطاحت برموزها تباعًا، من قحطان الشعبي إلى سالم ربيع علي، مرورًا بسنواتٍ من الاضطراب السياسي والاقتصادي.

المصادرات، والإعدامات لرجال الدين والسياسية والاقتصاد والجيش والأمن وأعيان المجتمع ضف إلى ذلك المجازر البينية بين أعضاء الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني، وكذلك التأميم الشامل للممتلكات، حولت الجنوب إلى ساحة خوفٍ وجوع وصمت، لا مكان فيها للرأي أو المبادرة.

 

ثم جاءت مرحلة “الوحدة اليمنية” عام 1990م التي كان يُفترض أن تفتح صفحة جديدة، فإذا بها تتحول إلى غطاءٍ لهيمنة سياسية واقتصادية من صنعاء، انتهت بحرب صيف 1994م التي كرّست واقع الاحتلال الداخلي، وعمّقت جراح الجنوب لعقودٍ لاحقة.

 

منذ ذلك الحين، شهدت عدن والجنوب تراجعًا مأساويًا في كل مقومات الحياة.

خدماتٌ منهارة، بنيةٌ تحتية متآكلة، بطالة، فساد، وانفلاتٌ أمني جعل المدينة التي كانت يومًا “درّة التاج البريطاني” تبدو غريبة حتى على أهلها.

المفارقة أن كثيرين، رغم إدراكهم لمآسي الاستعمار، باتوا يقارنون بين زمنٍ مضى ترك لهم نظامًا ومؤسساتٍ فاعلة، وزمنٍ حاضرٍ لم يترك لهم سوى الفوضى والخراب.

 

ليست الدعوة إلى “عودة الاستعمار” حنينًا للماضي بقدر ما هي تعبير عن فقدان الثقة بالأنظمة التي حكمت بعده، وعن شعورٍ عميق بأن من تولوا قيادة الجنوب لم يحافظوا على إرثه ولا على كرامة أبنائه.

 

اليوم، حين تتساءل عدن: “هل كان الاستعمار أرحم؟”، فالمعنى الحقيقي لهذا السؤال ليس تبريرًا للمستعمر، بل إدانةً للواقع الراهن الذي جعل من الحرية عبئًا، ومن الاستقلال حكايةً ناقصة لم تكتمل فصولها.

 

*- المحرر السياسي لـ "شبوة برس"