*- شبوة برس – خاص
مع نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، بدأت بريطانيا تخطط للتوسع العسكري في أراضي شبوة بعد أن أبرمت معاهدات مع سلاطين ومشايخ المنطقة. كان هدفها إنشاء طريق مختصر يربط بيحان بعدن عبر سلطنة العوالق العليا، وبدأت محاولاتها لفرض سيطرتها على منطقة حطيب عام 1951م. غير أن الشيخ علي بن صالح معور الربيزي، شيخ حطيب وزعيم قبائل الربيز، رفض ذلك رفضًا قاطعًا، وأعلن أن أرضه لن تخضع للمحتل تحت أي ذريعة.
في أغسطس 1952، شنّ سلاح الجو الملكي البريطاني هجمات على قرى وادي حطيب ضمن عملية أطلق عليها اسم "الألعاب النارية"، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا، وأسقط الثوار إحدى الطائرات المقاتلة من طراز "فامباير" بأسلحتهم البسيطة.
وفي العام التالي، واجهت قبائل الربيز حملة عسكرية كبيرة، قاومتها ببسالة بقيادة الشيخ علي معور، الذي رفض حتى المفاوضات والخداع البريطاني حين حاول الضابط جونسون استمالته. بعد أن نكث البريطانيون الصلح، اندلعت المعارك مجددًا، وشنّ الاحتلال هجومًا واسعًا من محورين على وادي حطيب، وقصف حصن معور الذي دُمر بالكامل، وسقطت والدة الشيخ علي – أو عمته بحسب بعض الروايات – شهيدةً لتكون أول شهيدة في تاريخ ثورات الجنوب ضد الاحتلال البريطاني.
واصل الشيخ علي القتال رغم الخسائر، وتمكن من الإفلات من الحصار والانسحاب إلى جبال كور العوالق. وفي لقاء لاحق جمعه بالضابط جونسون قال له الأخير ساخرًا: "ماذا تفعل ببريطانيا وأنت تحمل أربع طلقات فقط؟"، فرد الشيخ علي معور بكبريائه المعهود: "بهذه الأربع سأجعلك تستدين لقواتك وسأحاربك حتى يضحك النبي في قبره!"، وقد صدق وعده، إذ اضطر الضابط جونسون فعلًا إلى الاستدانة لتمويل حملته العسكرية في حطيب.
خلال نوفمبر 1953، واصل الثوار هجماتهم على قوات الاحتلال، وحققوا انتصارات في مناطق نصاب ورصيص، بينما سعى الشيخ علي للحصول على دعم من الإمام في البيضاء الذي زوّد الثوار بالسلاح وسمح لهم بإنشاء معسكر خلفي في منطقة مسورة الحدودية.
أيقن الاحتلال البريطاني أن دخول حطيب بالقوة مستحيل في ظل وجود الشيخ علي بن معور، فلجأ إلى أسلوب الاغتيال عبر عميل أُرسل من عدن يحمل التبغ المسموم. فهل نجح البريطانيون في مؤامرتهم؟ وهل انتهت الثورة باغتيال قائدها؟
ذلك ما ستكشفه الحلقة القادمة من قصة ثورة الشيخ علي بن معور الربيزي، الثورة التي سبقت القومية بعشر سنوات وأعادت كتابة تاريخ الجنوب العربي.
*- المحرر السياسي لـــ "شبوة برس"