*- شبوة برس – مصعب عيديد (خاص)
بن حبريش، الذي كان حتى الأمس القريب يحلم بأن يكون الحاكم المطلق ويخطط من خلف الكواليس لبسط نفوذه على مفاصل القرار، وجد نفسه اليوم محاصرًا بعزلته السياسية التي صنعها بنفسه، بعد أن اختار طريق التمرد على التوافق والتنكر للتحالفات التي أوصلته إلى ما هو عليه.
بدأ الرجل تحركاته بدعوى الإصلاح، بينما كانت نواياه موجهة نحو تفكيك البنية القائمة والاستحواذ على أدوات القوة، مستندًا إلى شعارات جوفاء وحملات دعائية رخيصة. وحين ظن أن الأرض باتت ممهدة لانقلابه، تحرك بتحدٍّ سافر للشرعية، مراهناً على حلفاء سرعان ما خذلوه وتركوه يتخبط في ساحة باتت أكثر وعورة مما تصور.
فشل التمرد كان ضربة قاصمة لصورة بن حبريش التي حاول تسويقها طوال السنوات الماضية، إذ انكشفت حقيقته أمام الجميع، ولم يعد بمقدوره الاختباء خلف خطاب مزدوج أو التلاعب بالألفاظ والمواقف. فقد سقط القناع، ولم تعد الأوهام قادرة على إنقاذ مشروعه الشخصي الضيق الذي كان منذ البداية محاولة يائسة لصناعة زعامة وهمية على حساب استقرار حضرموت.
ومع مرور الأيام، صار يبحث عن مخرج يحفظ له ما تبقى من ماء وجهه، يحاول إعادة التموضع والظهور بمظهر الضحية بعد أن كان بالأمس يتقمص دور المنقذ، لكنه يواجه واقعًا جديدًا لا يرحم، حيث باتت القوى السياسية والاجتماعية تنظر إليه كأحد مصادر التوتر والانقسام، لا كقائد يمكن الرهان عليه.
يحاول الآن التواصل مع أطراف متعددة من تحت الطاولة، يرسل رسائل مصالحة ويعرض تنازلات في محاولة لتخفيف الخسائر، لكن كل ذلك يبدو متأخرًا جدًا، لأن الثقة به قد تآكلت بشكل شبه كامل، وأصبحت سيرته السياسية مرادفًا للانقلابية والانتهازية.
مجرد الحديث عن اسمه يثير الاشمئزاز في أوساط كثيرة ممن خدعوا به في الماضي، ولم يعد من المقبول لدى كثيرين منحه فرصة جديدة بعدما ثبت أنه لا يبحث إلا عن سلطة، ولا يحلم إلا بالكرسي، حتى وإن كلف ذلك تمزيق النسيج الاجتماعي لحضرموت.
إن ما فعله بن حبريش ليس مجرد خطأ سياسي، بل جريمة مكتملة الأركان في حق أبناء المحافظة الذين كانوا يأملون أن يكون في صفهم، لا أن ينقلب عليهم ويتآمر مع الطامعين في ثرواتهم وقرارهم المستقل. وما يحاوله الآن من هروب إلى الأمام لا يغير من الحقيقة شيئًا، فالفشل يلاحقه والعار يحيط به من كل جانب، ولم يعد أمامه إلا الاعتراف بالهزيمة والانسحاب بهدوء إن كان يملك ذرة من احترام الذات، أما الاستمرار في المراوغة فلن يؤدي إلا إلى مزيد من السقوط والتهميش والنسيان السياسي.
لقد بات من الواضح أن كل محاولات إعادة التجميل السياسي التي يسعى إليها بن حبريش ما هي إلا استهلاك للوقت في معركة خاسرة. فحاضنته الشعبية تقلصت، والنخب التي كانت ذات يوم تصفق له باتت تتفادى حتى ذكر اسمه خشية الارتباط بمشروعه المنبوذ. وحتى صمته الحالي لم يعد له أي قيمة سياسية بعد أن سبقته تحركاته ومحاولاته البائسة للانقلاب على الشرعية والعبث بأمن واستقرار حضرموت.
وفي خضم هذا الانكشاف السياسي العلني، يحاول الآن تسويق نفسه مجددًا عبر تسريبات وإشاعات عن اتفاقات جديدة أو تفاهمات تحت الطاولة مع بعض القوى، لكنه لا يدرك أن الزمن قد تجاوزه، وأن الأبواب التي كانت تُفتح له قد أُغلقت تمامًا. فالمجتمع الحضرمي يعيش مرحلة وعي سياسي غير مسبوقة، ولم يعد يقبل بعودة الوجوه التي ساهمت في تعقيد المشهد وإشعال الفتن وإضاعة الفرص.
وما يدعو للسخرية أن بن حبريش لا يزال يتحدث بلغة المظلومية، بينما هو من اختار الخروج عن الصف وطعن التوافق في الخاصرة، وأراد أن يبني مجده على أنقاض من وثقوا به وتحالفوا معه يومًا ظنًّا أنه يحمل مشروعًا وطنيًا، لا نزوة سلطوية.
وفي النهاية، ليس غريبًا أن ينتهي به الحال إلى عزلة سياسية كاملة، فالطريق الذي اختاره لم يكن طريق خدمة، بل طريق خيانة للمشروع الحضرمي الذي آمن به الشارع ووثق به حين كانت حضرموت في أمسّ الحاجة إلى رجال دولة، لا طلاب سلطة.
المشهد الآن لا يحتاج إلى كثير تحليل، فالتاريخ لا يرحم، والمتسلقون دائمًا نهايتهم السقوط المدوي والاختفاء خلف ستار النسيان.
أما حضرموت، فهي أكبر من أن تكون ورقة في يد طامع أو سلعة في سوق المساومات، وستظل عصية على من يريد استغلالها لمصالحه الشخصية، وسيسجل التاريخ أن من خان ثقة أهله وسعى لتفكيك لحمتهم باسم التمكين والقيادة لم يكن يومًا منهم ولن يكون.