الدولة الغنيمة: قول ابن خلدون وسفهاء السلطة في شرعية اليمن

2025-11-16 17:50
الدولة الغنيمة: قول ابن خلدون وسفهاء السلطة في شرعية اليمن
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

منذ قرون وضع ابن خلدون قاعدة راسخة في فهم شؤون الحكم حين أكد أن خراب العمران يبدأ بتسليم السلطة إلى السفهاء. والسفاهة عنده ليست نقيض العقل فحسب، بل غياب الحكمة والرشد والقدرة على إدارة مصالح الناس. هذا التحذير الكلاسيكي يبدو حاضرًا بقوة اليوم في المشهد الذي ترصده تقارير ومتابعات شبكة شبوة برس منذ سنوات، حيث تتجلى مظاهر الانهيار الإداري والسياسي في أداء حكام الشرعية اليمنية.

 

ففي كل مرة يشتد فيها الخناق على المواطنين تتزايد الأدلة على أن السلطة باتت غنيمة لا مسؤولية. الأزمات المعيشية تتفاقم، الخدمات تتدهور، العملة تواصل انهيارها، بينما تنصرف قيادات الشرعية إلى السفر والمؤتمرات والمخصصات. 

وتوضح "شبوة برس" في عشرات متابعاتها أن هذه السلوكيات لم تعد استثناءً بل قاعدة ثابتة، تعكس منظومة حكم لا تعي معنى الدولة ولا تدرك حجم الكوارث المتراكمة على حياة الناس.

 

ويفسر ابن خلدون هذه الظاهرة باعتبارها علامة مبكرة على سقوط الدول، إذ يرى أن تولية غير الأكفاء يقود إلى تفكك المؤسسات وفساد القرار وضياع مصالح العباد. وما يرصده محررو شبوة برس يوميًا من عبث سياسي ومالي داخل مؤسسات الشرعية ليس إلا صورة حديثة لما وصفه المؤرخ قبل سبعة قرون. فالمسؤول الذي يجلس في الخارج بينما شعبه يواجه الفقر والقهر ليس حاكمًا، بل أحد الذين قصدهم ابن خلدون حين حذر من ترك الحكم في أيدي السفهاء.

 

إن أخطر ما يواجه الجنوب العربي اليوم ليس فقط تهديدات الحوثي ولا التدخلات الإقليمية، بل هذا النوع من الحكام الذين يتركون البلاد تتداعى بينما يتشبثون بالمناصب والامتيازات. لقد أثبتت الوقائع التي تنشرها شبوة برس أن الشرعية لم تفشل فقط، بل تحولت إلى مثال حي على تحذيرات ابن خلدون حين تتحول السلطة إلى عبء على الناس بدلاً من أن تكون أداة لحمايتهم وتنظيم حياتهم.

 

وهكذا يؤكد التاريخ مرة أخرى أن الدول لا تنهار بقدر ما تُنهى عندما تتسلمها عقول صغيرة لا تملك الحكمة ولا المسؤولية. وهذا ما يعيشه المواطن اليوم، وما يستدعي استعادة مفهوم الحكم الرشيد قبل أن يبتلع الانهيار ما تبقى من فرص النجاة.