لا أحد ينكر الشجاعة التي ظهر بها الجيش اليمني –قادة وضباط و أفراد - في معركته الأخيرة المستمرة مع القاعدة, ولا أحد ينكر البعد الوطني للمعركة, لكن من حقنا أن نتساءل أين ذهب أعضاء القاعدة والذين يقدرون بالآلاف على أقل تقدير؟
عندما نوجه النقد لمسار الحرب فإننا لا نشكك في شرعية وضرورة وحتمية المعركة, فقط نريد أن تكون نتائجها بقدر التضحيات التي يبذلها الجيش.
****
دخول الجيش أغلب المناطق تزامن مع انسحاب مقاتلي القاعدة الى مناطق أخرى تحت وقع أزيز الرصاص وأحياناً بوساطة بعض رجال القبائل الذين سعوا الى تجنيب مناطقهم الدمار, وهنا قد نتفهم موافقة الجيش على هكذا اتفاقات حتى لا يدخل في صراع مباشر مع أبناء القبائل.
****
لكن السؤال هو: أين يذهب أعضاء القاعدة بعد فرارهم من تلك المناطق؟ وهل تم اصدار تحذيرات للقبائل الأخرى من استضافة أعضاء التنظيم؟ فطالما بقي أعضاء التنظيم في الأراضي اليمنية فان الإشكالية لم تحل, فالهدف المعلن من المعركة العسكرية هو القضاء على التنظيم أو على التواجد العلني المسلح له على أقل تقدير, ولم يكن الهدف تحرير محافظة ونقل المشكلة أو ازاحتها الى محافظة أخرى.
****
مهمة الجيش واضحة وقد نجح فيها الى حد ما في الكثير من المناطق, فبعد سيطرة الجيش على تلك المناطق التي أعلنت فيها القاعدة امارة إسلامية وقسمتها الى ولايات وافتتحت فروع لشرطتها ومحاكمها الخاصة انتهى دور الجيش في تلك المناطق وبدأ دور وزارة الداخلية والأجهزة الاستخباراتية, فليس من مهمة الجيش ملاحقة افراد التنظيم الذين تسربوا الى المحافظات الأخرى, طالما لم يبسطوا سيطرتهم العلنية على مناطق جديدة.
****
في مقالين سابقين لي بعنوان "الحرب على القاعدة وشروط نجاحها" و " حتى تكون معركة هادي الأخيرة مع القاعدة" اقترحت بعض الخطوات التي تمكنا من معالجة مشكلة القاعدة من أساسها بعد دراسة شامله وعلمية لتلك الآفة, وهنا اضيف أن مشكلة القاعدة مشكلة سياسية أولاً وأمنية ثانياً, ولم تكن عسكرية قط الا منذ 2011م, عندما سيطرت القاعدة على محافظة أبين.
****
عندما أقول سياسية أعني أن هناك أطراف محلية ودولية وإقليمية ساهمت في انشاء ذلك التنظيم واستخدمه كل منها بحسب مصالحه, فمراكز الحكم في صنعاء بأجنحتها القبلية والعسكرية والدينية وظفت التنظيم في حروبها الداخلية الخاصة سواء في الجنوب أو في صعدة, والولايات المتحدة استفادت منه في تجنيد الآلاف من الشباب وارسالهم الى أفغانستان ليخوضوا حرب استنزاف ضد الاتحاد السوفيتي السابق, ولاحقاً في التبرير لدخولها المنطقة –ومنها اليمن- وبسط نفوذها العسكري, والنظام السعودي والقطري وقوى دولية أخرى استفادت من التنظيم مؤخراً في الحشد للمعركة ضد النظام السوري, وقطر بشكل خاص تلعب في الأشهر الأخيرة بورقة القاعدة عبر تمويل التنظيم بملايين الدولارات تحت ذريعة افتداء مختطفين عرب وأجانب, وغرضها الحقيقي هو إيجاد ورقة ضاغطة ضد السعودية.
****
ومن هنا فلن تكون المعركة التي يخوضها الجيش ناجحة ما لم يُحجم الرئيس هادي دور تلك الأطراف السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تعبث بأمن اليمن وتستخدم ذلك التنظيم كأداة لتوظيفها في معاركها الخاصة.
****
المعركة الكبرى مع القاعدة ليست في أبين أو شبوة أو البيضاء أو حضرموت أو مارب أو الجوف, المعركة الحقيقية مع التنظيم هي في أمانة العاصمة صنعاء, مع مراكز النفوذ التي صنعت ومولت وأهلت ذلك التنظيم, الحرب الحقيقية تتم عبر وقف الجامعات والمعاهد والمدارس الدينية التي تفرخ أعضاء وكوادر جديدة للتنظيم.
****
قد ينجح الجيش اليمني ميدانياً وقد نجح حتى الآن, لكن الهزيمة قد تأتي من القرار السياسي والأمني المواكب للمعركة على الأرض, فصمت الرئيس عن مراكز النفوذ التي وراء القاعدة داخل صنعاء سيخذل الجيش اليمني ويظهره كالمهزوم في تلك المعركة, فاستمرار الاغتيالات والاقتحامات والتفخيخ معناه أننا خسرنا المعركة.
على الرئيس أن يخير مراكز النفوذ تلك بين فسخ علاقتها مع القاعدة والكف عن توظيف ذلك التنظيم في معاركها الخاصة وبين أن تشملهم الحرب بدءاً من كشف الحقائق التي تتوفر لدى أجهزة الاستخبارات والتي تثبت تورط الكثير من تلك القيادات –التي لا يزال بعضها عاملاً الى الآن وفي أماكن حساسة- مع القاعدة.
****
عدم رفع مستوى المواجهة الى أن تطال مؤسسي وراعي وداعمي ومفرخي التنظيم في صنعاء –اذا لم يقطعوا علاقتهم بشكل كامل مع ذلك التنظيم ويعلنون دعمهم العلني لجهود الرئيس والجيش في تلك المعركة- معناه أننا أمام مقاولة مؤقته ولسنا أمام حرب حقيقية ومتواصلة وشاملة على تنظيم القاعدة, فمن العيب أن نحصن القادة –المقيمين في صنعاء- الذين خلقوا التنظيم من العدم ولا يزالون يدعموه ويستخدموه الى اليوم ونلاحق البسطاء المغرر بهم في أبين وشبوة ومأرب والجوف وحضرموت والبيضاء.
مقال بعنوان : المعركة مع القاعدة ....حرب أم مقاولة؟
للناشط السياسي والكاتب : علي البخيتي
"نقلاً عن صحيفة الأولى" 12 / 5 / 2014 م