فيما كنت أقرأ ما كتبه د. عبدالملك المخلافي، السياسي اليمني ووزير خارجية الشرعية الأسبق حين كان يعيد تعريف نفسه للداخل الجنوبي واليمني، عادت بي الذاكرة حينها إلى مقولة شهيرة متلفزة حين كان وزيرًا في شرعية (لا أبقت ظهرًا ولا قطعت أرضا).
قال د. المخلافي في المقابلة المتلفزة إياها إن (البعض)، ولا ندري من هو هذا البعض ومن أي جغرافيا، قال، ما معناه، أن (هذا البعض يرى أن استقرار الجنوب وتحسن المعيشة والخدمات فيه سيعزز الرغبة الجنوبية في الانفصال لدى أبناء الجنوب).
يوم ذاك لم يستغرب أبناء الجنوب هذا المنطق، فهذا هو النهج الذي سارت عليه النخبة اليمنية منذ احتلال الجنوب العربي في 1994م، وإذا كان د. المخلافي قد تمناه إلا أن الشرعية اليمنية قد نفذته في الواقع إلى أن أصبح المواطن في الجنوب العربي يأكل وجبة واحدة في اليوم ويفتقر إلى أبسط الخدمات ما أدى إلى موت البعض جوعا ومرضا من المتعففين.
التفكير الإيجابي الذي افتقدته سلطة الاحتلال امتد إلى اليمنيين في سلطة معاشق وحواشيهم، ولو كان هذا التفكير الإيجابي حاضرا في ذهن تلك النخبة لقال د. المخلافي أن تحسين المعيشة والخدمات في الجنوب سيؤدي إلى الاستقرار وسيعزز المشاعر الوحدوية لدى أبناء الجنوب.
التفكير الشاذ في إدارة الجنوب بوصفه جزءًا من الجمهورية اليمنية خلق لدى كل أبناء الجنوب العربي الاعتقاد المطلق بأن الهدف من الوحدة هو الأرض والثروة أما الناس في جغرافيا الجنوب فلا تعنيهم ولتذهب إلى الجحيم ولهذا لم يبق أمام أبناء الجنوب العربي إلا التمسك بالأرض والهوية مهما كان الثمن.
بعد طرد المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت تفتقت قرائح الأشقاء في اليمن من ساسة ومثقفين وحتى مهرجين دفاعا عن حضرموت وإنكارا لجنوبيتها مع أن آخر رئيس جنوبي جلب الجنوب بما حمل إلى باب اليمن كان من حضرموت، ويولولون الآن بإخراج القوات الجنوبية من حضرموت مع أن جلهم من أبناء حضرموت! فلماذا لا ينادون بإخراج قوات الحوثي من صنعاء؟ وماذا لو طالب أحد بإخراج القوات من غير أبناء مأرب من مأرب أو من غير أبناء تعز من تعز وفق هذا المنطق السخيف؟
نرفع القبعات احتراما للساسة والمثقفين ممن قالوا خيرا أو صمتوا ولم يدخلوا في هوجة استعداء المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية المتحدة على أبناء الجنوب، فأبناء الجنوب أعلنوا من خلال قيادتهم السياسية أنهم على العهد مع التحالف وأن المملكة العربية السعودية والجنوب العربي يشكل كل مهما عمقا للآخر، ومهما تباينت رؤى أبناء الجنوب العربي فأنهم يتفقون في هذا الهدف ويؤمنون بأن محيطهم العربي هو حصن الأمان ويشمل هذا المحيط القوى الوطنية في اليمن الجمهوري.