تغييرات مرتقبة في حسابات الاقليم .. أين ساسة الجنوب منها ؟

2015-07-14 23:29

 

لولا أن هناك ضخ رقمي هائل في الفضاءات الالكترونية يواكب مسار المقاومة الجنوبية لفقدت الأخيرة وهجها الإعلامي وفقدت معه خصوصيتها، ومع ذلك يظل غياب العقل السياسي الجنوبي يتسع لفراغات خطيرة وقاتلة.  

لقد عاش العقل الجنوبي حالة استلاب فكري وثقافي لفترة طويلة ونشأت أجيال منذ نهاية الفترة الكولونيالية ( الاستعمار) بعيدة عن كينونتها الواعية المستقلة وهويتها المتجذرة منذ تاريخ بعيد، ودخلت تحت عبودية التبعية لطروحات أيديولوجية ضيقة شكلت ساتر فاحم شديد الغلاظة أمام الرؤية المتحررة.

 

 ومن هذا المنطلق رأينا ونرى التخبط السياسي الكبير للنخب الجنوبية المختلفة والضياع الشامل الذي أصابها إثر فشل مشروع "الجنوب اليمني اليساري" الذي كانت مصمَّمَةً عليه وقاد الى كارثة الوحدة اليمنية مروراً بفشل الدولة كمؤسسة جامعة صبيحة 13 يناير 1986م.

 

نحن لا نُذَكِّر بالمصائب إلّا من باب استنهاض "الناطرين" على سرير النائمين، ونحاول في هذه اللحظات التاريخية الفارقة من حياة الجنوب لفت النظر إلى حالة الإنكشاف السلبي للعقل السياسي الجنوبي والتي تعلن عن نفسها بشكل جلي اليوم عند النخب السياسية المنكفئة على احلام الذات الباردة، تمارس لعبة التفاؤل والتشاؤم في ظرف تُحسب فيه كل دقيقة إما لك أو عليك.

لا حراك سياسي جنوبي ناضج وفاعل يوازي الحراك الميداني القوي للمقاومة الجنوبية.. ذلك باختصار شديد لأن وضع الجنوب اليوم أمام حالة استعادة الذات المنهوبة تاريخياً وصياغتها بشكل ناضج ولا يجوز السكوت على غياب العقل السياسي والفعل السياسي الموحد أو الانتظار للبيانات المسحوبة على "مؤخرتها" من كثر الدندنة عليها.

 

هناك توقع بأن الفترة الحالية ستشهد تسخين كبير للجبهات ربما في تماس مباشر مع حدود التغييرات الاستراتيجية الوشيكة في المنطقة. ولمن لا يعلم من الساسة نلخص الفكرة كما يلي:

إن انطواء سرديات الملف النووي الإيراني سيفتتح مرحلة مختلفة في المنطقة ويعيد صياغة تحالفات وأولويات، وستذهب الاطراف مباشرة إلى السباق على الخط السريع في محاولات تسجيل كثير من النقاط الكبيرة.

وبما أن الجنوب هو كلمة السّر في حسم الصراع الاقليمي داخل اليمن فان الأمر مفتوح على بابين:

 باب أمامي يعني الذهاب إلى الحسم الميداني، وباب خلفي يعني التسوية السياسية. وفي كلتا الحالتين أصبح الجنوب بحاجة الى الاشتغال السريع على وحدة الجبهات وإلى وجود نخبة سياسية موحدة وقادرة على صياغة مواقف سياسية ناضجة لتلعب أدوار مكملة للمقاومة لكي يبقى ملف الجنوب خارج أي رهانات أو مساومات أقليمية، ودون أن تترك جهة الجنوب أمام الطاولة "لكومبارسات" يصنعهم الآخرون لتوظف المسألة الجنوبية مجدداً خارج سياقاتها ويعود الجنوب "ربنا كما جناه علينا قادتنا".

 

الآن لا وقت للمرافئ البعيدة والبرازخ المنفلتة، ولا وقت للرصاص الطائش والتنافس على فرائض البيانات السخيفة لأن الآن هي لحظة ولادة في ظروف متقلبة تحتاج إلى أرض صلبة وعقول ومباضع وأيدي وقبل كل ذلك ضمائر موحدة.

 

المقاومة أثبتت نهاية حالة الإستلاب وصاغت دماء "الجنوب التاريخي" على وثيقة الإستقلال الجديد من كل العهود الماضية، وبقي أيتها السيدات والسادة أن تكون هناك جهة واحدة لا أكثر يراها العالم ممثلةً وحيدةً  تكتسب شرعيتها من الشعب المقاوم. جهة واحدة قادرة على أن تصوغ البيان الأول في تاريخ الجنوب الحديث، البيان الذي يعيد للتاريخ مساره وللهوية إسمها وصفتها ويضع أسس الدولة المدنية المستقلة.

فهل أنجبت أمهات الجنوبيين هذه العقول المُوَحَّدة؟