خلال فترة قليلة مضت كنت إذا ما ذكرت حضرموت ،فإني أجد الكثيرين ممن يتبرعون للحديث و بقلق على هذه المحافظة ،ونزعة أهلها للانسلاخ عن الجنوب .. لا أخفيكم أنني كنت اشك بإمكانية إن يصدق قول كهذا لكثرة ما يتردد، رغم يقيني بعمق انتماء حضرموت للجنوب أرضا وهوية وجغرافيا ،أليست هي من فجر الثورة السلمية الجنوبية في العام 98م بقيادة الزعيم باعوم وقدمت المكلا يومها ، أول شهيدين جنوبيين في ثورة الجنوب السلمية هما بن همام وبارجاش ليتلوهما طابور طويل من الشهداء الأفذاذ. كنت أقول ربما رغب الحضارم وهذا حقهم ان أرادوا ان يقيموا دولتهم أو إقليمهم وهم جاهزون لهذا ولديهم كل المقومات الكفيلة بإنجاحه ،ناهيك عن أنهم لم يجدوا وهم الشعب المثقف والمسالم من محافظات الجنوب الأخرى إلا وجع الرأس حد قول صديق عزيز .
البارحة ادركت كم كنت مخطئا في تفكيري لحظة ان كنت في حضرة زملاء ورفقة أكارم قدموا من حضرموت للمشاركة في مليونية الاستقلال خيارنا ،فقد تعلمت منهم درسا حضرميا جديدا في الوطنية وأصالة الانتماء . كانت ساعات استثنائية قضيناها معا في الساحة ثم في أحد المطاعم الجميلة بعدن ،في ليلة عدنية حضرمية لحجية أبينية ،تناولنا فيها وجبة العشاء الشهي على أنغام ذكر ( الكراش ) اللذيذ حد زعم الرفاق الحضام واعتراض المتسولة اللبنانية الحسناء ،والمحامية العدنية الأصيلة .. اعترف لكم أنني شعرت بأنني امام قوم يعلمونني بأسلوب ساحر معنى الوطنية والانتماء للجنوب والجاهزية للموت في سبيله فقد هؤلاء الفتية أحمد باعباد ومحمد العماري وصابر بامقنع وسبأ محسن ،وفيهم ومنهم كبيرهم الذي يعلمهم سحر البيان الصديق أنور التميمي كانوا مدرسة راقية .. يصر أهلنا الحضارم ان يعلموننا كل يوم أنهم متميزون ، واستثنائيون في علمهم، وأخلاقهم ، ووطنيتهم ،أليسوا من تجشم عنا السفر المتواصل لنحو 25 ساعة من المكلا إلى عدن بسبب الخراب الذي تعرضت له الطريق الرابطة بسبب الأمطار. كنت إلى وقت قريب أشعر بالحزن على شهيد تريم رامي البر ،ويتملكني اعتقاد بأنه لن يتكرر ،حتى وجدت هؤلاء الفتية ومعهم كبيرهم ،فقد أيقنت ان للمرء في حضرموت الف نسخة ونسخة تعيد تكراره ،ومن هنا أيضا أدركت كيف أمكن لأهل حضرموت أن يسدوا للإسلام هدية عظيمة تمثلت بإسلام نحو 300 مليون شخص على أيديهم في بقاع شتى من العالم ،فكل هذا لم يكن امرا اعتباطيا اعتباطيا ان تهدي رقما مهولا للإسلام في حين ان كثيرا من الرسل والأنبياء تمنوا ان يهتدي على أيديهم رجل واحد ولو من عشيرتهم الأقربين. وكما هم مدرسة في النضال فانهم مدرسة كذلك في الكرم والشهامة وأغاثة الملهوف ففي فترة الحرب الظالمة التي شنها الحوثيون وصالح على الجنوب وعدن ،استقبل هؤلاء الفتية زملاء أعزاء لنا ،آووهم وأكرموهم ،وحرصوا على إسعادهم . كما أنهم و لشدة كرمهم ونبل أخلاقهم لم يكونوا يطلقون على هؤلاء كلمة نازح بل قال لي احدهم هم ضيوفنا وكانوا يمرون بلحظة استثنائية ،ليسوا نازحين ، قالت أحدى الزميلات لا استطيع وصف كيف تعاملوا معنا ،كانوا نعم الأخوة ومثال الشهامة واكرم. اعتذاري حضرموت ان انا صدقت ولو بمقدار طرفة عين بأنك قد تخذلين الجنوب لحظة ،فقد علمني أبناؤك ،ان الجنوب لن يكون جنوبا إلا بحضرموت وانا حضرموت لا تتنفس الا هواء جنوبيا ،فإن انقطع عنها هذا الهواء فإن الموت أعز لها هذا ما قاله لنا أحمد باعباد أنور التميمي محمد العماري صابر بامقنع ماجد المشجري سبأ محسن.
*- منصور صالح – محلل سياسي وناشر صحفي