بسرّية تامّة، عبر وسيط يمني في لندن،ملفّات الفساد لـ"هوامير" وجنرالات ماقبل الحرب : زوارق حربية يمنية تتولّى مهامّ حماية وتأمين السفن في باب المندب، مقابل 55 ألف دولار للرحلة.
خليج عدن، الذي يقع بين اليمن والصومال، ،حيث يبحر عبره سنوياً 20 ألف ناقلة نفط، وعدد كبير من السفن التجارية ،لكنه تحوّل في العام 2008،مع سيطرة القراصنة الصوماليين،إلى أخطر مكان في العالم.
ومنذ ذلك الحين أنشأت الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي والصين والهند قوّات لمكافحة القرصنة في خليج عدن تقوم بموجبه عشرات السفن الحربية من مختلف البلدان بدوريات حراسة يومية لحماية ممرّالنقل البحري الدولي.
في العام 2009م،حصلت البحرية اليمنية (مصلحة خفر السواحل تحديداً) على زوارق حربية من الولايات المتّحدة الأمريكية كدعم قدّمها الأمريكان لمساعدة القوّات اليمنية في تتبّع عمليات التهريب والقرصنة وحماية السواحل اليمنية والإسهام في عمليات مكافحة الإرهاب ونصب أعين الاستخبارات الأمريكية عقدة حادثة المدمّرة "كول" في خليج عدن.
قال الأمريكان حينها تعليقاًعلى الدعم "نتيجة للمخاوف من حضورالقراصنة الكبيرفي عدن،بالإضافة إلى تنامي دورتنظيم القاعدة بفرعيهافي الصومال واليمن خصّصت الولايات المتّحدة وبريطانيا وغيرهماعلى مدى العقد الماضي وهذا العام بشكل خاصّ ملايين الدولارات من المساعدات والتدريب والمعدّات في محاولة لتعزيز قدرة خفرالسواحل اليمني لحماية الشواطئ.
وتشمل المساعدات سبعة زوارق للحراسة تبرّعت بها الولايات المتحدة لليمن فيما اشترت الحكومة اليمنية سفن "اوستيل" من شركة استرالية في العام 2005.
كما عملت الولايات المتّحدة أيضاً على زيادة التعاون الاستخباراتي وضخّ الهبات والتمويل والعتاد إلى قوّات العمليات الخاصّة في اليمن لمساعدتها على مكافحة تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية".
فرصة :
مع ارتفاع قيمة التأمين الذي فرضته شركات التأمين على البواخر والمراكب التجارية التي تمرّفي مضيق باب المندب استغل عدد من جنرالات الجيش والأمن اليمني بالتنسيق مع جهات استخباراتية يمنية هذه الزوارق لإبرام صفقات توفيرالحماية عبرهذه الزوارق وطواقمها من الجنود التابعين لمصلحة خفر السواحل.
وعن طريق وسطاء للأمن البحري تحوّلت مهامّ السفن اليمنية الحربية وقوّات خفرالسواحل من حماية المياه الإقليمية للبلد إل ىسفن وقوّات مهمّتها مرافقة السفن التجارية وناقلات النفط في خليج عدن مقابل 55 ألف $ للرحلة الواحدة يتقاسمها فريق العمل قبل أن تصل إلى اليابسة.
خليج عدن الذي كان قبل الحرب الأخيرة يعجّ بقراصنة أقلقوا العالم بأسره اختفى غالبهم الآن أوجرى إخفاؤهم ربما بحسب الدور المناط بهم بحسب مقتضيات وحسابات تجاوزت اللاعبين المحلّيين كما يبدو.
بطبيعة الحال كانت هذه الصفقات تُبرم عبر وسيط يمني مقرّه لندن وشركة يمنية باسم أجنبي هي همزة الوصل والوسيط في المملكة المتّحدة بين أصحاب السفن وبين الجهات الحكومية بينهم قادة عسكريون يمنيون.
تتضمّن الصفقة بنوداً وشروطاً جميعها تحت عناوين "سرّي وهامّ للغاية"،أهمّ هذه البنود:
-التزام الجانب اليمني بتأجير الزورق وحراسة كافية من الجنود تؤمّنها الحكومة اليمنية للوسطاء، فتحصل في المقابل على 55 ألف دولار لحماية سفينةواحدة في رحلة واحدة.
- من يتولّى الحماية لهذه السفن ليس من حقّه التفتيش أوالسؤال عن نوع الحمولة على ظهر السفينة وما إذا كانت تحوي موادّ ممنوعة أومحرّمة دولياً (وهذا من أهم الشروط التي تلتزم بها الجهات الرسمية اليمنية التي تقتصر مهامّها على توفير الحماية مقابل المال).
- لايحقّ لسفنا لحماية الحربيةاليمنية توجيه أي أسئلة تتعلّق بهويات أوجنسيات طاقم السفن الأجنبية "موضوع العقد".
حصانة:
لاتقتصر الحماية التي تتولّى توفيرها زوارق "اوستل" العسكرية وطاقمها المكوّن من ستّة عسكريين يمنيين على المال مقابل الأمن بل يتضمّن الاتّفاق أيضاً درجة من الحصانة في ما يتعلّق بأي معارك محتملة في البحر وفق البند التالي:
- أي إجراء يُتَّخذ من قبل فريق زوارق الحماية ويؤدّي إلى عمليات قتل أو تدمير تطال جهات محلّية أودولية يتحمّل تبعاته القانونية الجانب اليمني.
"رشوش"
صفقات الفساد هذه غالباً ما تتسرّب معلومات عنها إلى جهات رسمية، فليس هناك حكومة في العالم تسعى لتأجير سفنها الحربية وبحّارتها لخدمة عملاء وزبائن مقابل رسوم خاصّة كما هي الحال هنا في اليمن.
ظلّ الجانب الأمريكي والذي كان يراقب تلك الصفقات عن بعد دون تدخّل ملتزماً الصمت لأسباب مجهولة حتّى الآن.
غير أن عدداً من المسؤولين في الحكومة كانت تصلهم بعض من هذه المعلومات،وكثير منهم لايجرؤ على الحديث نظراً لقوّة الأسماء العسكرية الراعية لتلك الصفقات المشبوهة (جرت مراضاة بعضهم بالمال).
مسؤولون من الجانبين الأمريكي واليمني،رفضواحينها مناقشة "برنامج تأجير زوارق البحريةاليمنية"، ورفض متحدّثون باسم الأسطول الأمريكي والقوّاتالبحرية المشتركة والتحالف الدولي لمكافحة القراصنة الصوماليين، الإجابة على التساؤلات المتعلّقة بالبحرية اليمنية وخفر السواحل فيمالم تعر وزارة الدفاع اليمنية التي تدير البحرية في البلاد انتباهها لعمليات التأجير البحري تلك حينها فأغلق الملفّ.
تساؤلات
عقب قراءة الحيثيات أعلاه،تُثار تساؤلات عديدة من بينها:
حرص الجان بالأمريكي عل ىتتبّع ومعرفة كلّ تفاصيل تلك الصفقات والمتورّطين فيها دون أن يتدخّل على الرغم من أن كثيراً من الزوارق التي كان يستخدمهاالمهرّبون رسمياً "هبات أمريكية" (كماتوصّف).
هل كان الأمريكان يتحينون الفرصة المناسبة لابتزازتلك الشخصيات الكبيرة المتورّطة بتلك المعلومات؟
أين اختفى القراصنة الذين صالوا وجالوا في مياه باب المندب وروّعواملاك السفن وأدّى وجودهم هناك إلى تداعي أكثرمن 20 دولة أرسلت جميعها سفناً حربية لحماية الممرّ الدولي المهمّ؟
هل كان أمر القراصنة "مسمار جحا" المشرعن للقوى الدولية تلك كي يكون لها حضور في مضيق باب المندب؟ وهل دولة مثل أمريكا بحاجة فعلاً إلى مسمار جحا للتدخّل؟
*- إعداد عبدالخالق الحود . مراسل واعلامي جنوبي عدن