بما ان ورقة الجماعات الإرهابية أضحت الورقة الابرز التي يتسابق اليها كل أطراف الصراع في كافة البلدان بل وتستخدم على مستوى دولي في مسألة السباق لتحقيق مصالحها، وليس بالضرورة لتلك الدول ان تكون لها مصلحة مباشرة في هذه المنطقة او تلك التي يجري استخدام الجماعات الإرهابية فيها، بل يجري استخدامها لتحقيق مصالح غير مباشرة في مناطق ودول اخرى عن طريق المقايضة وغيرها من وسائل الضغط وتبادل المصالح بين الدول الكبرى.
وكان اول استخدام لهذه اللعبة داخل الجنوب اول مرة مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد اعلان الوحدة اليمنية بين الجنوب والعربية اليمنية، وقبيل شن الحرب على الجنوب من قبل صنعاء انفردت صنعاء بتعبئة إعلامية واسعة ضد الجنوبيين الذين حشدت وسائلها الإعلامية وقدراتها للتحريض دينياً ضد الجنوبيين الذي اتهمتهم بأنهم شيوعيين ملحدين وما شابه ذلك من اتهامات جعلت من اقطاب الحكم في صنعاء للاتفاق على الدخول بشراكة مع الجماعات المتطرفة وتحديدا مع ما كان يسمى بالأفغان العرب وهم الجماعات الإرهابية العائدة من معركة أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، وتم السماح لتلك العناصر بفتح معسكرات تدريب لها جرى من خلالها اعادة تجميع المتطرفين من مختلف الجنسيات وتجنيد الآلاف من العناصر المتطرفة التي شكلت قوة ضاربة للقتال ضد الجنوبيين من منطلق عقائدي ورافقت عملية إعداد وتجنيد المتطرفين حملات تحريض على مستوى كبير جرت بواسطة استخدام دعاة وعلماء دين وائمة مساجد يمنيين وعرب واجانب اذ انطلقت حملات التحريض من جملة الفتاوىء الدينية التي كفرت الجنوبيين وأباحت دماء الأطفال والنساء.
وبحسب تسريبات وتصريحات لمتطرفين عرب بالاضافة الى تصريحات صحفية وكتابات لشخصيات عربية متطرفة كانت تشغل مناصب قيادية في الجماعات الإرهابية كشفت واكدت الاتفاق المبرم بين تلك الجماعات وسلطة صنعاء التي والى جانب السماح لهم بإقامة معسكرات لهم في الاراضي اليمنية وعدتهم بمنحهم امتيازات في الجنوب من خلال منحهم حرية التحرك وإقامة أنشطتهم وفق سياستهم ومناهجهم دونما تدخل الحكومة فيها، وعقب الحرب أكدت تلك الشخصيات المتطرفة انها اتجهت تحت مظلة حزب الإصلاح اليمني للسيطرة على الجنوب والاستحواذ على كافة المنابر العلمية والدينية وفق استراتيجية تهدف الى انتاج فكر متطرف بين أوساط الشباب، بغية الوصول الى صنع إمارة إسلامية تقدمها كانموذج جديد في الشرق الأوسط يسعى لتحقيق قوة ذات ثقل دولي من خلال اتصالها المباشر مع دول الخليج كالسعودية وغيرها، وبالتزامن مع خطة تستهدف إعداد إمارة في كل من أفغانستان وباكستان.
هذا الامر ظهر جلياً من خلال انفراد حزب الإصلاح اليمني بوزارة التربية والتعليم وفق شراكة الحكومة مع حزب المؤتمر الشعبي العام، وشرعت بإقامة المعاهد التعليمية ومنحها دعم كبير وامتيازات عن المدارس التابعة للوزارة، بل وشرعت في تحويل غالبية المدارس الى معاهد علمية ذات منهج خاص يقوم على استراتيجية تربوية تهدف الى خلق اجيال اكثر تطرف.
ورغم عدم استمرار تلك السياسة التعليمية بسبب ضغوط خارجية تعرضت لها صنعاء بعد عدة سنوات أجبرتها الى اعادة هيكلة وزارة التربية وتقليص نفقات وامتيازات تلك المعاهد قبل توقيفها وتحويلها الى مدارس عادية، وتم هذا بشكل ظاهري لكن في الباطن استمر التعاطي مع المنابر الدينية والعلمية في الجنوب بصورة تظهر امتدادها لنفس السياسة المتفق عليها.
وفي جميع المراحل والمنعطفات التي مرت بها صنعاء سواء استحقاقات او غيرها جرى اللجوء الى استخدام ورقة الارهاب كورقة رابحة رسمت علاقة صنعاء بكبرى دول العالم وبالمحيط العربي وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وغيرها وهو الامر الذي أدى الى تشجيع صنعاء في التمادي مع الجنوب والجنوبيين واستمرار نهب ثرواته ومقدراته وانتهاك حقوق ابنائه بل ورسم السياسة التي تريدها صنعاء امام صمت بل ومباركة الخارج طالما وهناك ملف الارهاب الذي يتم تعليق كل شيء عليه.
اليوم وعندما اندلع الصراع بين اقطاب عصابة صنعاء منذ العام ٢٠١١م يبرز ذات الملف ونفس الورقة اذ يتسابق نحوها الطرفين لتحقيق مكاسب لكل منهما امام عجز الخارج بل وتخاذله عم يجري من وقائع، ويتخذ الجميع من الجنوب مسرحاً للعب بورقة الارهاب لكل الأطراف بما فيها الأطراف الخارجية التي تتعاطى وترسم طبيعة وصورة اللعبة وفق ما يتناسب ويتناغم مع ما يخدمها ويضمن لها تحقيق المزيد من المكاسب ضد الطرف الاخر ويبقى الدم الجنوبي احد ابرز المتطلبات الضروري توفرها في المسرح لاكتمال كل مشهد جديد.
اليوم تستدعي الحاجة الى ضرورة وجود عقول جنوبية قادرة على التعاطي مع هكذا ألاعيب والبحث عن إمكانية تضمن فرز وفضح حقيقة ما يجري وكيفية مواجهته وصولاً الى إسدال الستار نهائياً عنه.
لكن كيف ومن اين يبدأ الجنوبيين هذا الامر؟.
هذه المسالة تستدعي التفكير والبحث فيها ودراستها بجدية ومسئولية
*- بقلم : رائد الجحافي