مهمة السلطات السعودية، خلال موسم الحج، كانت عسيرة، فأحداث منى في العام الماضي، كانت حاضرة، وتجنب تكرارها هذا العام بقي تحدياً كبيراً تجاوزته المملكة بنجاح. يضاف إلى ذلك أن المناوشات الإقليمية التي سبقت موسم أداء الفريضة، ورافقت بداياتها، جعلت تأمين ضيوف الرحمن مهمة لا يمكن التهاون فيها، مهما كانت الكلفة المادية والبشرية. الأداء المحترف والمنضبط للمهمة لم ينزع عنها صوراً للرفق والرحمة، يشهد بها كل من أدى الفريضة هذا العام، بحيث وازن رجال الأمن والمتطوعون من شباب الجامعات السعودية، بين الحزم في تنفيذ الواجبات الموكلة إليهم واستمالة قلوب قصدت المشاعر المقدسة وأدركت منذ الوهلة الأولى أنها، أولاً وأخيراً، في حماية من دعاها إلى المجيء إلى بيته الحرام، من كل فج عميق، ثم الأمن السعودي.
كان موسم أداء الفريضة وسط الظروف السياسية المحيطة بالإقليم، عبئاً جديداً على الأمن في المملكة، لكنه تقبله قبولاً حسناً، وبدا رضياً بقدر اختياره حارساً للمقدسات الإسلامية متشرفاً بخدمة الحجيج.
«عين على الحد، وأخرى على الحج»، شعار تسمعه أو تراه في المملكة هذا العام، ويلخص موازنة سعودية دقيقة بين دور بارز في نصرة الشرعية عند الحد الجنوبي، أي في اليمن، وشرفٍ متفرد في خدمة حجاج بيت الله الحرام. العين اليقظة على الحج ساندها قلب يتسع للملايين، فلم يكن غريباً أن تجد منعاً تاماً لتجمعات قد تعطل حركة الحجيج، خاصة في منى، وتحديداً في منطقة الجمرات، ومتابعة لكل التفاصيل وفي الوقت نفسه تقابل جندياً أو ضابطاً يوزع الماء على ضيوف الرحمن ملتمساً شرف سقايتهم، أو يرش رذاذاً خفيفاً على الرؤوس والوجوه، خاصة في الساعات الحارة، أو يساعد في حمل حاج قعيد.
الحزم، وإن زادت حدته في بعض المواطن، قابله ضيوف بيت الله الحرام على اختلاف ألوانهم ولغاتهم ولهجاتهم، بتعاون وتفهم، واللمسات الإنسانية مسّت شغاف قلوب هفت إلى البيت العتيق، فشكرت رباً يحميه يسّر لها زيارته، ورجالاً سخرهم للسعي بين زواره بالحماية والسقاية والرحمة.