صورة تعبيرية من أرشيف شبوه برس
تبدأ إجراءات الزواج في سقطرى قديما بأن تذهب أحدى النساء من أقارب الخاطب: أمه أو أخته أو قريبته.. وتأخذ نظرة سريعة ولكنها ذكية وثاقبة على البنت التي يريد الخاطب الزواج بها، وتنظر إليها وتتحدث معها وتطلب منها شيئا أو تسألها بعض الاسئلة وتمتحن ذكائها وفطنتها وسرعة بديهتها، وتراقب حركاتها وسكناتها وتصرفاتها واستقبالها للضيوف وطريقة ترحيبها بهم، وكيف تقدم لهم القهوة والطعام والشراب، وكيف تودعهم عند ذهابهم، وكل ذلك يحدث من غير أن تشعر البنت أو أهلها بذلك أو معرفة القصد والهدف من ذلك كله. وهذا إجراء يتم في حالة كانت العروس ليس من الاقارب أو من نفس المنطقة أو معروفة جيداً للخاطب وأهله، لأن إذا كانت معروفة فليس هناك داعٍ لهذه الامتحانات لأنها معروفة أصلا للجميع بخيرها وشرها، حيث كان المجتمع السقطري قديما مفتوحاً على بعضه البعض يعيشون معاً ويأكلون معاً.
ثم تعود هذه المرأة إلى الخاطب وتنقل له تقريرها المفصل عن حالة العروس وجمالها وذكائها واحترامها للعادات والتقاليد وإلتزامها بالاخلاق القويمة وحسن استقبالها للضيوف، ثم تختم تقريرها برأيها الشخصي والنصيحة للخاطب بزواجه من هذه البنت من عدمه، والرأي الأخير يرجع إلى الخاطب أو إلى وليه بحسب شخصية الخاطب وسنه ونضوجه.
وفي حالة قرر الخاطب الزواج من هذه البنت يذهب برفقة أبيه أو أخيه أو عمه أو أحد أقاربه أو شيخ القبيلة، إلى أهل البنت ويتم خطبتها رسميا من أبيها أو أخيها أو وليها.. وإذا تمت لخطبة بنجاح، وتمت الموافقة يذهب الخاطب وأبيه ووالد البنت أو وليها وأثنين من الشهود إلى القاضي ويتم العقد الشرعي بدون علم البنت أو أخذ رائها في زواجها من هذا الشخص، ثم يتم شراء التمر واللبن واللحم.. وهو المادة الاساسية لوليمة العرس في البادية قديما ويكون الاحتفال بسيطا على عكس حفلة ختان الأولاد التي تكون كبيرة ومكلفة كما سوف يأتي تفصيل ذلك في مقال خاص بهذه الموضوع. أما المدينة فأن الوضع فيها يختلف تماما حيث تكون هناك مظاهر البذخ، ويكون هناك عرس كبير وخسائر ضخمة.
وفي كل الأحوال لا يؤخذ رأي البنت في زواجها ولا تعلم أي شيئا عن هذا الزاوج إلا ليلة الزفة أو الدخلة أو العرس والتي لها طقوسها الخاصة أيضا.
حيث يتم إبلاغ البنت بأن فلانة بنت الجيران هي التي سوف تتزوج اليوم ويطلب منها بأن تلهيها وتذهب معها إلى مكان بعيد عن البيت، بحيث لا تشاهد مظاهر العرس، ولا تعلم بحضور أهل العريس، وما يجري من تجهيزات وأعمال العرس طوال النهار، وتجهيز الوليمة للضيوف، وتجهيز الكوشة، ثم يتم أحضار العروس بعد صلاة العشاء تقريبا وبرفقتها البنات اللواتي كن في معيتها، وعند وصول العروس إلى عتبة بيتها يأتي رجل قوي من أقاربها ويخطفها بسرعة خاطفة ويحملها ويدخلها إلى مخدع الكوشة ويتم إخبارها بأنها قد تزوجت من فلان الفلاني، وتبدأ النساء بالزغاريد التي تصم الآذان وتبدأ إجراءات العرس الفعلية، وتنطلق أعمال الحفل بينما العروس تصعق من الخوف والمفاجئة والصدمة، وتصرخ صراخاً شديداً وكأنها يذهب بها إلى المشنقة وليس الزواج، وأحيانا يغمى عليها من شدة الخوف والمفاجئة الصادمة لها حيث كانت تعتقد بأن فلانة بنت الجيران هي التي ستتزوج اليوم كما أخبروها وليس هي بالذات، وهو ما يجعل المفاجئة أكثر وقعا على نفس تلك الفتاة المسكينة والمظلومة بهذا الزواج الاجباري.
لذلك تكون المفاجئة شديدة وصادمة بالنسبة لها، وقد تكون لا تحب ذلك العريس أو تشمئز منه أو تكرهه أو تمقته، وقد تكون تحب رجلا آخر الذي كان هو فارس أحلامها ولكن ما حدث فجأة وبدون مقدمات يؤدي إلى تحطم أحلام تلك الفتاة الوردية وإنكسار قلبها الصغير، ولكنها العادات والتقاليد البالية وسطوتها على المجتمعات القديمة التي كانت كالقضاء والقدر ولا مرد لها سواء قدرة الله وحده ومشيئته الماضية على العباد.
وحتى الخاطب نفسه قد يجبر أحيانا على الزواج من بنت عمه أو خاله وقد يكون لا يحبها أو يكرهها ولكنه ملزم بذلك بموجب العادات والتقاليد والاعراف القبلية المتوارثة كابرا عن كابر، وقد تكون العروس صغيرة في السن فلم تبلغ سن الزواج بعد والامر كل يرجع إلى مزاج الولي والخاطب وقناعاتهم ورغباتهم الشخصية وكل ياتي بأحاديث ونصوص دينية تؤيد رغباته الشخصية ويسند بها تصرفاته.
ومن عادات الزواج في سقطرى قديما تزويج البنت من أبن عمها سواء كانت تريده أو لا تريده، وسواء كان يريدها هو أو لا يريدها فهما مجبوران بالزواج من بعضهما وفقا للعادات والتقاليد، فيقلون ولد عمها أولى بها وهي أو لى به.
للعلم بأن الكثير من هذه العادات قد تغيرت في الوقت الحالي وأصبحت جزء من الماضي بعد إنتشار الوعي والتعليم والثقافة بين أبناء الجزيرة في العصر الحالي مع ظهور عادات جديدة لا تقل سوء عن الماضي ولكنها جاءت بثوب قشيب وجديد وهو ثوب المصالح مثل تزويج فتيات صغيرات من كبار السن من الخليجيين وغيرهم بحجة المصلحة وغيرها من الآفات المنتشرة في هذا العصر بعد أن فرضتها الحاجة والظروف الاقتصادية الصعبة.
وتقام في هذه الأعراس قديما الأهازيج والرقصات على فن (الصامهر ـ تعودهن) كما يسمى باللهجة السقطرية، ويسمى ( السامر) في مناطق أخرى من جزيرة العرب، وله وزن واحد، ولا يلتزم بالقافية، ويختلف عن شعر الهدن بأنه لا يلتزم بعدد معين من الأبيات، وأنما يمكن للقصيدة أن تطول أو تقصر، ويسمى (تنيتر) باللهجة المحلية أي النتر، ربما لأنه لا يلتزم بالقافية، فهو أقرب إلى النتر أو ما يسمى بالشعر الحر الحديث الذي لا يلتزم بكثير من قواعد وأصول الشعر المعروفة كالقافية أو الوزن العروضي أو بحور الشعر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، ولا على أوزان الشعر النبطي، ويعتمد شعر الصامهر على جمال المعنى وحسن الأداء وحلاوة الصوت عند المنشدين والهدؤ والوقار و بشارك فيه الرجال والنساءن ويطرق مختلف أبواب الشعر كالغزل الذي يتسم بالذوق الرفيع والبعيد عن الإبتذال وثناء الشعراء والإشادة ببعضهم البعض وغيرذلك من رياض الشعر و مجالاته المختلفة..
*- بقلم : عويس القلنسي. سقطرى