لم يكن السابع من يوليو 1994 يوماً عادياً في تاريخ اليمن، بل كان يوماً أسوداً أُسقطت فيه كل شعارات الوحدة، وتحولت فيه الدولة إلى غنيمة حرب بين المنتصرين. اجتاحت قوات الشمال العاصمة عدن، وأُعلن فعلياً عن إنهاء الشراكة بين الشمال والجنوب، وبدأت مرحلة جديدة من الاحتلال العسكري والسياسي والاقتصادي للجنوب.
منذ ذلك اليوم، بدأت عملية تدمير ممنهجة لكل ما يربط الجنوب بهويته ودولته السابقة. تم فصل أكثر من 60 ألف موظف جنوبي من العسكريين والمدنيين، في أكبر عملية إقصاء جماعي عرفتها البلاد. وأُفرغت مؤسسات الدولة الجنوبية من كوادرها، ليحل محلهم محسوبون على مراكز القوى الشمالية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تفكيك أكثر من 160 مصنعاً ومنشأة اقتصادية وإنتاجية كانت قائمة في الجنوب، بعضها أُغلق، وبعضها الآخر نُقل إلى الشمال أو بيع لشركات خاصة تابعة للنافذين، في عملية نهب منظم لمقدرات البلاد.
لم تسلم الأرض ولا الثروات، فقد جرى تمليك أراضي الجنوب لأفراد متنفذين من الشمال، كما تم تسليم مفاصل الدولة — الرئاسة، الجيش، الأمن، الاقتصاد، الإعلام، القضاء، والبنك المركزي — إلى قوى الشمال بشكل كامل، وتحوّل الجنوبي إلى مواطن من الدرجة الثانية في بلاده.
أما الثروة النفطية، فقد كانت الجائزة الكبرى. تم تقاسم آبار النفط بين رموز النظام الشمالي، ووزعت الحقول كغنائم حرب:
حقل المسيلة في حضرموت أُعطي امتيازه لشركات تابعة لرموز في النظام، تحت مسميات وطنية زائفة.
حقول العقلة وعياذ وعسيلان في شبوة، جرى تسليمها لشركات محسوبة على مقربين من الرئيس السابق علي عبدالله صالح والجنرال علي محسن الأحمر.
تم توقيع عقود سرية مع شركات أجنبية، بينما بقي أبناء الجنوب محرومين من أي تمثيل أو استفادة من هذه العوائد.
كانت عائدات النفط تُحول إلى صنعاء، لتمويل شبكات الفساد وبناء الإمبراطوريات التجارية الخاصة، بينما ظل الجنوب يعيش في فقر مدقع، وبنية تحتية مدمرة، وخدمات منعدمة.
إن ما حدث بعد 7 يوليو 1994 ليس سوى احتلال متكامل الأركان، غُلِّف بشعارات الوحدة، بينما في حقيقته كان عملية استيلاء ممنهج على وطن وثروات وهوية وشعب.
ولهذا فإن مطالبة شعب الجنوب باستعادة دولته لا تأتي من فراغ، بل هي ناتجة عن عقود من الظلم والقهر والنهب والإقصاء، ولا يمكن أن تستمر الشعوب إلى الأبد تحت الاحتلال، مهما طال الزمن.