تنفس مواطنو حضرموت الصعداء وشموا رائحة الحرية، ولاسيما أبناء مديريات الساحل بعد أن حٌرِّرَت مدنهم وقراهم من هيمنة المسلحين ، الذين فرضوا سلطتهم ونفوذهم لمدة عام كامل، في ظل تخاذل وصمت الشرعية ، حتى جاء تحريرها من قبل أبطال النخبة الحضرمية الذي أنشأته وأشرفت على اعداده الإمارات العربية المتحدة مشكورة، وبدعم ومساندة من قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وكذلك المقاومة الجنوبية ورجال القبائل الأبطال ، وتشهد مدن وقرى مديرات الساحل تحسنا أمنيا مضطردا ، وهدوء ومحاولات جادة لتثبيت سلطة الدولة وحضورها القوي ، على الرغم من المحاولات اليائسة التي تبذلها قوى الإرهاب لتعكير هذه الأجواء من خلال زرع بعض العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والانتحاريين ، والتي يتم اكتشافها مبكرا قبل وقوع الكارثة ، بفضل اليقظة الأمنية ، التي تتحلى بها قوات النخبة والقوات الأخرى العاملة معها والالتفاف الشعبي حولها ، والدعم الكبير المقدم من القوات الإماراتية ،
هذا التحسن الأمني والحضور القوي للدولة ، يشاهده كل زائر لمدينة المكلا حاضرة المحافظة ويؤكده خطباء المساجد في مدن الساحل ، ولكن للأمانة نقولها بصراحة إن الفضل يعود بدرجة أساسية بعد الله سبحانه وتعالى ، إلى تولي أبناء حضرموت بأنفسهم الملف الأمني والعسكري ، فهم الأحق والأولى في الدفاع عن محافظتهم وأمنها واستقرارها من غيرهم ، فمن الصعب نطلب من الآخر القادم من محافظة أخرى ،أن يحمينا ويحمي ثرواتنا ، في الوقت نفسه أبناؤنا بعيدون عن المؤسسة الأمنية والعسكرية ، ولنا في الدرس المؤلم للمنطقة العسكرية الثانية ، حامية عاصمة المحافظة ، التي هرب منتسبوها وتركوها غنيمة سهلة للمسلحين الذين يقال بأنهم تابعون للقاعدة عبرة ، ولكن ذلك في الحقيقة يأتي ضمن لعبة الحرب القذرة التي يلعبها التحالف الثنائي للحرب ، الحوافيش ، فمعسكرات الجيش في الشمال سلمت للحوثيين ، وفي الجنوب سلمت للقاعدة ، وهما وجهان لعملة واحدة ، وهدفهما يصب في بوتقة واحدة ومن أجل هدف واحد ، وهو العمل على انجاح الانقلاب والاحتفاظ بالجنوب الذي بدأ ينتفض ضدهم ويزلزل الأرض من تحت أقدامهم .
تظلٌّ الحلقة الأضعف في جسم حضرموت والمحافظة ، هي مديريات الوادي والصحراء ، أمنيا وعسكريا وإداريا ، ونخشى أن يجد أعداء المحافظة والحاقدين على الجنوب وقضيته مدخلا من هذا المنفذ، لتكرار السيناريو الذي طبق في المكلا قبل التحرير ، ولكن هذه المرة بأيادي محسوبة على الشرعية، فالملف الأمني والعسكري لا يتحكم فيه أبنا ء الوادي، كما هو في مديريات الساحل ، بل غيرهم، حيث تشهد مديريات الوادي بين فترة وأخرى حالات قتل ، وتقطع والسطو على أموال الآخرين وممتلكاتهم وارضهم بقوة السلاح ، في ظل عجز الأجهزة الأمنية والعسكرية إلقاء القبض على الجناة وتقديمهم لمحاكمة عادلة ، وإنزال أقصى العقوبات بحقهم ، لكن ذلك للأسف يحتاج إلى سلطة قضائية مدعومة بسلطة دولة قوية ، وهذا غير موجود .
وما يلفت النظر ويشكل خطورة حقا على مستقبل حضرموت واستقرارها وأمنها ، هو توافد العشرات من المسلحين بشكل مستمر على مدن الوادي ، وخاصة سيئون وتنقلهم باسلحتهم ، وازدحام الفنادق بالنزلاء منهم ، واستئجار بيوت بإيجارات عالية ، دون معرفة هوياتهم ، ولماذا قدموا ؟ ، على مرأى ومسمع من السلطات ، ممّا أثار نوعا من القلق والخوف والتوجس من المستقبل في نفوس العامة ، ويعزز هذا التوجس والخوف انتشار الإشاعات ، بأنّ هناك لقاءات وترتيبات تتم بين شخصيات في السلطة الشرعية ، وكانت من القوى المتنفذة في النظام السابق ، معروفة بعدائها وتطلعاتها لفرض هيمنتها على حضرموت ونفطها ، ومسؤولين محليين مدنيين وعسكريين ، بوساطة مكونات سياسية معينة وبمباركة من بعض الشخصيات القبلية المحسوبة على هذه المكونات ، وما يعزز من تلك التوقعات تلك الزيارة الخاطفة خلسة ، التي قام بها وزير النفط في الحكومة الشرعية إلى شركات النفط العاملة في المسيلة بمعية الوكيل المساعد لشؤن الوادي والصحراء ، دون ترتيبات واشعار مسبق مع السلطات المحلية في المحافظة ، مما أثار حفيظة السلطات المحلية ، واعتبرت ذلك تجاوزا لصلاحياتها وسلطتها .
ويٌخْشَى من أنّ هناك من يعدٌّ لترتيبات خاصة تشمل مديريات الوادي والصحراء ومعها المواقع النفطية وشركات النفط ، ومنفذ الوديعة ، لحرمان حضرموت من أهم مواردها المالية، ضمن أية ترتيبات قادمة ، فالوضع في الوادي والصحراء ومنفد الوديعة ، غير مٌطَمْئِن ويتطلب تحركا عاجلاً رسمياً وشعبياً ، والتعجيل في عقد المؤتمر الحضرمي الجامع، للوقوف على حقيقة الأوضاع واتخاذ القرارات اللازمة، قبل أن يقع الفأس في الرأس .
*- فرج طاحس -سيئون