رسالة مفتوحة كتبها نخبة من أبناء الضالع
حين تظهر صورة الضالع على الصفحات أو على شاشات التلفزة ترى في الواجهة "قصر أبيض" على الجبل الذي يعتبر جزء من سلسلة تشكل منحدراتها الأمامية حاضنة لمدينة الضالع القديمة والتي توسعت عبر العقود الأخيرة باتجاه السهول المحيطة. هذه الضالع المدينة "المركز الذي تتبعه مديريات كثيرة" لها منظر ثابت عبر التاريخ الحديث، وحتى الذين يحاولوا رسم لوحات مختلفة لمدينة الضالع تبدأ أقلامهم وألوانهم وريشاتهم عادة تجسد أولاً "القصر الأبيض" على تبة بركانية كمعلم بارز ورمز تاريخي في قلب أي لوحة، ثم تأتي تفاصيل المدينة والمحيط الجغرافي القريب.
القصر الأبيض هو بيت الأمير شعفل بن علي شايف أمير الضالع الذي ينتمي إلى سلالة أميرية حكمت الضالع منذ قرون، واصبح ذلك المبنى بالسور الذي يحيط به رمزية تاريخية تحمل دلالات كثيرة، لأنه شاهد على حقبات زمنية متعددة وكان مثل هرم ضالعي يحرس المدينة حتى اصبح جزء طبيعي من صورة الضالع التقليدية وله قيمة معنوية كبيرة.
الكثير يعلمون ما حل بذلك المبنى الشاهق خلال غزو الحوثيين عام ٢٠١٥ حيث تم قصفه بالمدفعية والأسلحة الثقيلة بصورة مركزة، بهدف كسر معنويات ابناء الضالع حين يشاهدون علم تاريخي يُقصف ويُدمر لتتهاوى في اللاوعي صورة من أهم بديهيات الضالع الأولية ولا يمكن لأحد أن يتصور الجغرافيا المسكونة بدونه. لقد عرف الحوثيون وشريكهم صالح ماذا يعني هذا المبنى وذلك البيت بالنسبة لأهل المنطقة كرمز ومعلم تاريخي فدمروا واجهته الأمامية ليتغير الشكل إلى صورة جارحة للغاية، ولكنها في الوقت ذاته شاهدة على وحشية وهمجية المجرمين.
اليوم للأسف الشديد وبعد أن تحررت الضالع واصبح لديها حكام محليين، تم الاستيلاء على بقايا هذه الرمزية من قبل "فرد أو أفراد" ليكملوا ما لم يفعله المعتدين، باحتلاله وبيع الحجارة القديمة.. بيع التاريخ، بيع الرمزية، بيع المكان والزمان، حتى ليبدو للمرء أن الضالع اليوم ما تزال لم تصح من أوجاعها وهي تفرّط بقيم معنوية كبيرة، يضاف الى خساراتها الكبرى من الشهداء. والمنطقة حين تخسر معالمها تصبح وعاء أجوف لا شاهد على زمانها في المكان. لهذا وجب تنبيه السلطات المحلية أن تكون هناك خطوط حمراء أمام العبث. ولكل الذين دافعوا عن الضالع ودحروا الغزاة ان يفهموا ان الضالع بتاريخها امانه في اعناقهم، ولا ينحصر الأمر عند مبنى وحجارة، ولكنه في صميم التاريخ الحديث. خاصة وأن هناك من يحاول أن يجرد الضالع من تاريخها وهويتها ورأينا كيف تُستأجر الأقلام اليوم للطعن في تاريخ الضالع وانتمائها. لهذا لا يوجد فارق بين من يقصف بالمدافع ومن يطعن في تاريخ الضالع ومن يستولي بالقوة على رمزية يجسدها بيت الأمير رغم الأضرار التي ألحقها العدوان به، لأنه قيمة تاريخية بكل المقاييس. فهل يصحى الضالعيون من أوجاعهم؟