( نعَلْ بُو مّاتكُم...) من معجم التعزير الشعبي

2013-05-11 18:31
( نعَلْ بُو مّاتكُم...) من معجم التعزير الشعبي
شبوة برس- خاص المكلا

من معجم التعزير الشعبي

( نعَلْ بُو مّاتكُم...)

 

    يختزن المعجم الشعبي اصطلاحات تعبيرية تختزل في حدة دلالتها وعمقها مسافات ضوئية في توظيف المفردات والتراكيب، ولعل جملة (العنوان) مثال على تلك الحدة الدلالية والعمق.

    جملة ( نعَلْ بُو مّاتكُم ) تقال عادةً من شخص كبير في السن، ذكراً كان أم أنثى، في سياق التوبيخ، على فعل مشين يقوم به بعض الصبية أو الفتية، ذكوراً كانوا أم إناثاً؛ فيكون لها وقع شديد نفسياً على من تقال لهم، فهي من أدوات (التعزير) الشعبي، وتفعل فعلها في النهي عن الاستمرار في الفعل المشين غير المقبول اجتماعياً.

    وتلفظ هذه الجملة بتوقيع صوتي معين، ينتج دلالة التوبيخ، مصحوباً بإيماءات جسدية، بالوجه والشفتين غالباً، وباستخدام السبابة أو أصابع اليد كلها أحياناً، مبالغة في تصوير حدة الازدراء، وعمق التوبيخ، مع إمالة الألف في لفظ (مّاتكم) كما في لهجة (المشقاص) شرقي حضرموت.      

    وترجمة الجملة بالعربية الفصيحة تحيل على معجم اللعن الذي نهى عنه الإسلام، ولعله ظل في قاع الذات الشعبية جزءاً من بنية ثقافية عابرة للعصور، ومنطوقه:(لعن الله أمهاتكم) بإبدال في مواضع الأحرف أو تبادل بينها، إذ أصبح الفعل (لعَنَ) =(نَعَل)، حيث ينتفي معه البعد غير الأخلاقي لفعل اللعن، ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقال، فشبيه بهذا الفعل قول المحضار:

لا تهمر العدّاد يمشي (نعَن) أبو العدّي

لا قد ضمنّا صحتك ..اللي يكون يكون

إذ أصبح الفعل (لعنَ) =( نعن)، بلفظ اللام في أول الفعل نوناً، وهذا وذاك مما يثير شجوناً لهجية ولغوية لا يتسع السياق لها.

***

     الفعل في جملة العنوان ليس موصولاً بآباء أمهات أولئك، فالنعلة / اللعنة واقع مفعولها على فردٍ هو أبو تلك الأمهات، وهو جد فرد، وأمهات أولئك الفتية بناته هو، أي أنهن من بيت واحد، ومن صلب رجل واحد، هو جد أولئك الذين يأتون فعلاً مشيناً. لكن في القول عدولاً عن أن يكون ملفوظ النعلة / اللعنة على جدهم، ولعل في ذلك العدول الذي يجمع الأمهات في أب واحد، ما ينتج دلالة النعلة / اللعنة على تكوينهم وتنشئتهم الأولى الموصولة بفرد قديم حقيق من دون غيره بأن يرشق بتلك الجملة التي تصل الأحفاد بجد وشيج الصلة الحميمية بهم، من جانب أمهاتهم تحديداً وليس آبائهم. أي أن هناك نعلة / لعنة عابرة الأزمنة، لكن أولئك المعزّر بهم بفاعلية الجملة اجتماعياً مخصوصون بها من دون غيرهم أيضاً.

***

    تتراءى لي مخايل جملة العنوان، هذه الأيام، بكل إيحاءاتها الدلالية، كلما تابعت المواقف المتهافتة من بعض أولئك الذين يتواطؤون ضد هذا الشعب وحقه في الوجود والحرية والكرامة، أو يكيدون له، في دهاليز صنعاء وفي بعض العواصم العربية، حتى ليبدو المرء منهم (ملكياً) أكثر من الملك، أو مقدماً فروض الولاء والطاعة المهينة، أو مستجدياً فتات الحق على موائد اللؤم، فأتمتم جملة التعزيز الشعبي تلك بكل عفويتها الشفافة:(نعلْ بُو مّاتكم)، فهي – في ما يبدو لي - أقصى ما يستحقون !!.

سعيد الجريري