يخوض العالم اليوم مواجهة مع جائحة كوفيد19، إذْ تتخذ جميع الدول تقريبًا إجراءات جذرية لمنع انتشارها، لقد كان التركيز في البداية منصبًّا على التدخل الطبي والتباعد الاجتماعي، ولكن مع ترسّخ هذه الإجراءات، من المهم تقدير الخطر الاقتصادي لتجنب حدوث كارثة من نوع آخر. مع انتشار المرض وإجبار الناس على ترك أعمالهم لأسابيع وربما أشهر من أجل "تسطيح المنحني"- ما يقلل معدل الإصابة ويمنع بالتالي اكتظاظ المشافي- باتت الاقتصاديات في حل شلل.
استجابة دولة الإمارات
أنشأت دولة الإمارات مراكز اختبار للفيروس في جميع أرجاء البلاد لتعقب وتتبع الإصابات بصورة فعالة، حيث إن معرفة مصدر الإصابات يساعد السلطات على منع زيادة انتقال الفيروس.
أثبت هذا فاعليته بالفعل في تسطيح منحنى الإصابة، ليس فقط في الإمارات، ولكن أيضًا في ألمانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا. إن الدول التي تفتقر لهذه الاختبارات الصارمة، شهدت زيادة كبيرة في الإصابات؛ ما يؤدي بدوره إلى اتخاذ مزيد من إجراءات الإغلاق الاقتصادي الخانقة. لكن الاختبارات لا يمكنها أن تذهب لما هو أبعد من هذا، وكما اكتشفت الإمارات، فإن هناك حاجة لاتخاذ مزيد من الإجراءات الشاملة لإبطاء معدلات الإصابة ومنع حدوث صدمات اقتصادية مدمرة.
إن نجاح دول الإمارات المبكّر ربما ينبع من انخراط أعلى المستويات في الحكومة بنشاط في الراعية الصحية والدعم الاقتصادي. في الواقع، يرأس قادة الإمارات اجتماعات افتراضية لضمان تقديم الرعاية للجميع وتحريك عجلة القطاعات الأخرى بصورة فعالة وآمنة قدر الإمكان. الإمارات هي من بين عدة دول قليلة اتخذت إجراءات صارمة وحاسمة لمواجهة التداعيات الاقتصادية التي ستخلقها بالتأكيد هذه الجائحة.
إن دعم الإمارات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ينبغي أن يحفّز بقية دول العالم لتجاوز هذه الظروف الصعبة بصورة مناسبة.
نفذ ولي عهد أبو ظبي الأمير "محمد بن زايد" برامج إغاثة اقتصادية وإجراءات طبية وصحية في وقت مبكر من الأزمة، وأعلن مجلس أبو ظبي التنفيذي 16 مبادرة جديدة مصممة لدعم المجتمع والأعمال التجارية. تتضمن هذه المبادرات توفير ضمانات ائتمان للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإعفاء رسوم تسجيل المركبات التجارية، ودعم رسوم توصيل الكهرباء للشركات الناشئة، وتسريع دفع الفواتير الحكومية للشركات وخفض رسوم تأجير الأراضي والإعفاء من دفع الغرامات وتوفير استراد نقدي لقطاعات الضيافة والسياحة والترفيه وتسهيل برامج الاقتراض وقرارات أخرى.
مع هذا، وبالرغم من أن اتخاذ إجراءات تحفيز اقتصادي في البداية، غير أن الركن الأساسي لاستجابة الإمارات لتفشي "كوفيد19" هو نظامها المتكامل للرعاية الصحية. يغطي برنامج الشيخ محمد بن زايد للرعاية الصحية عمليات الاختبار والعلاج في المشافي وبرامج التعافي، والأجانب مشمولون أيضًا بهذا البرنامج.
إن وجود وضع اقتصادي ونظام رعاية صحي مقبولين، سمح للإمارات للذهاب خطوة أبعد عبر تقديم مساعدات إنسانية لمناطق خارج حدودها، وهو أمر عجزت أقوى الدول في العالم عن تنفيذه.
دول أخرى أقل حظًا في التعامل مع الجائحة على الجانب الآخر، فإن الدول التي لم تتخذ سياسات صحة عامة مناسبة ولم تقدّم دعمًا اقتصاديًّا كافيًا، هي الآن في وضع صعب للغاية.
إيطاليا، على سبيل المثال، تشهد واحدًا من أسرع معدلات انتشار الفيروس وأعلى معدلات الوفيات في العالم، ومجتمعها هو أحد أكثر المجتمعات معاناة من الشيخوخة، وهو عامل مهم في ارتفاع معدلات الوفيات التي تزيد عن المتوسط السائد.
وتواجه إيطاليا، التي فشل اقتصادها في اكتساب زخم في السنوات القليلة الماضية، عقبات أكبر أمامها، ناهيك عن نظامها الصحي المثقل بالأعباء.
تواجه إسبانيا هي الأخرى وضعًا مماثلاً. عدد قليل فقط من الدول خارج منطقة الشرق الأوسط اتخذ إجراءات احترازية ضرورية لمواجهة تحدّيين خطيرين مرة واحدة: الرعاية الطبية لمواطنيها والحوافز الاقتصادية لتجنيب البلاد انهيارًا ماليًّا. هذه ليست الجائحة العالمية الأولى التي يتعيّن علينا مواجهتها. أثناء تفشي الأنفلونزا الإسبانية عام 1918، تُوفي ما يتراوح بين 20 إلى 50 مليون إنسان حول العالم من هذا النوع الفتاك من الأنفلونزا، الذي نقله حول العالم جنود عائدون من الحرب العالمية الأولى.
كان التأثير الاقتصادي لجائحة الأنفلونزا كبيرًا، غير أنه دام لوقت قصير نسبيًّا مقارنةً مع حصيلة الوفيات التي خلفها وراءه. نبع الكساد الذي ساد في ذلك الزمن أساسًا من الزيادة الكبيرة في الأجور بسبب نقص الأيدي العاملة الذي جعل الشركات تواجه مشاكل في الإنتاج بكفاءة. اضطر كثيرون، كما هو الحال اليوم، للاعتماد بشكل كبير على الضمان الاجتماعي. إن كنا على علم بالتأثير الاقتصادي السلبي الذي تسببه الجوائح، فلماذا لم تستجب بعض الدول بسرعة كافية وتطبق إجراءات احترازية للمساعدة في دعم استقرار اقتصادها؟ تدخلت البنوك المركزية حول العالم ببطء لتقديم حزمات تحفيز نتيجة لتقييد السفر وتفضيل معظم البلدان لإغلاق أنشطتها الاقتصادية.
كان الهدف من هذا الإغلاق هو تخفيف الضغط على الخدمات الصحية، لكن في حال لم يتم دعم الشركات بطريقة مناسبة منذ البداية، فإن الآثار الاقتصادية طويلة الأمد ربما تصبح أسوأ من الفيروس ذاته. اتخذت بلدان مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة خطوات أولية قوية لتقديم محفزات مالية لاقتصادها، وتعهّدت أكبر ثلاث اقتصاديات عربية بتقديم محفزات مالية بنحو 47 مليار دولار لمواجهة الضرر الاقتصادي المحتمل الذي ستسببه هذه الجائحة.
إن اتخاذ إجراءات احترازية وتوقع التأثير الاقتصادي للجائحة، تمامًا كما فعلت الإمارات، هما المسار الأفضل الذي يتعين أن تسلكه أي دولة. وبينما كانت الولايات المتحدة وغيرها من الدول تنتظر لترى ماذا ستفعل، تحرّكت دول أخرى بسرعة وبحسم، مُدركة التأثير الاقتصادي طويل الأمد الذي ستسببه عمليات الإغلاق. حان الوقت لإيطاليا وإسبانيا أن تتبع النموذج الذي تبنته الإمارات ودول أخرى مثلها لمساعدتها على مواجهة الكساد الذي ستخلفه هذه الجائحة. تحتاج تلك الدول لاتخاذ إجراءات تحفيز اقتصادية لدعم اقتصادها وحماية مواطنيها من الدمار الاقتصادي وضمان بقاء نظامها الصحي قويًّا بقدر الإمكان.