بندقية لا فكر دولة

2023-04-26 06:55

المشاط يتهم واشنطن بالتدخل في الملف اليمني لإعاقة المضي بالتقارب السعودي الحوثي، ووزير دفاع صنعاء يهدد ويتوعد بتصعيد عسكري غير مسبوق، ينقل ثقل المعركة من الداخل اليمني إلى العمق السعودي، في حال تخلت الرياض عن التفاهمات التي أنجزت خلال زيارة آل جابر لصنعاء.

لاشيء يوحي أن هناك تراجعاً ملحوظاً في الموقف السعودي، إبتداءً من تبريد المواجهات الإعلامية، وحتى رفع يدها عن دعم المعارك التي تشهدها المناطق الجنوبية، وبالتالي فإن الخطاب الناري للقيادة الحوثية ليس موجهاً للسعودية ولا لواشنطن، بل للداخل حيث الفشل في إدارة الملفات الإقتصادية وتدهور مستوى دخل المواطن، وتردي معيشته جراء السياسة الحوثية، يوجب بالضرورة إستدعاء الشماعة الأثيرة والجاهزة دوماً للإستحضار ، وهي شماعة العدوان والحصار والتدخل الخارجي.

مازالت صنعاء تدير المناطق التي تحت سيطرتها وتكاد أن تكون كل الشمال،بعقلية المليشيا لا الدولة، وأن تململاً إجتماعياً لا بد وأن ينبعث من تحت ركام الخيبات والعجز والفشل المتتاليين، في حال تداعت حدة الخطاب الحربي، وسقطت ذريعة العدوان وتم إنجاز التعهدات في تحرير الميناء والمطار من عوائق الإستيراد والتصدير والحركة في كل الإتجاهات، ما يضع الحوثي في وجه الحقيقة ويثير التساؤلات بين الناس حول القضايا المسكوت عنها، القمع والموارد، سياسيات التمييز العنصري وحصر الوظيفة في المذهب وغياب المواطنة، ناهيك عن الجبايات المتوحشة، والثراء الفاحش للسلالة والتجويع الممنهج لكل فئات الشعب .

السعودية لم تنكثت بتعهداتها ليس لأنها لدواع إخلاقية وصحوة ضمير أضحت حمامة سلام، بل لأن الإنسحاب من مناطق التوتر وبؤر الصراع والإستدارة نحو داخلها، بات ضرورة ملحة لإعادة تحديد مسارات سياساتها بتوجهها نحو تنويع الإقتصاد خارج سلعة النفط، بما تصل عوائده خلال السنوات الخمس القادمة إلى تريليون دولار في بناء المدن الإستثمارية والسياحية العملاقة، ومثل هكذا توجهات تحتاج إلى بيئة آمنة وأمن مستقر، لذا هي تقدم التنازلات للحوثي،تنازلات مخصومة من حصة حلفائها في الشراكة بالحكم والثروة، أي أنها تفاوض بحقوق الطرف المحسوب عليها جنوباً وشمالاً، دون أن يكون لديها ماتخسره.

حسناً، والحال هكذا السعودية ليست مضارة من خطاب الحوثي التصعيدي، والعودة لتدوير عناوين الحصار والعدوان وتحميله كل آثام سياساته الكارثية ، بما في ذلك مذبحة فقراء صنعاء عشية العيد الحزين، لأنها تدرك جيداً أن ذلك هروب إلى الأمام لا يغير من طبيعة التفاهمات ولا يعيد الصراع إلى سابق عنفوان المواجهة.

سينسحب السعودي والإماراتي وسينتهي الحصار ، وسيطلق يد الآلة الحربية الحوثية في الجنوب ، وسيتم تقاسم الثروات وستتوزع حصص الحكم لصالح سلطة صنعاء مقابل أمن الجوار ، كل هذا حسب التفاهمات والتوافقات الإقليمية الدولية، حتى وإن حاول الحوثي تجيير ما سيحدث لصالحه لضرورات داخلية.

من غير حرب لن يحكم الحوثي ، وإن تم طي ملف الحرب مع الخارج سيتجه نحو الحروب الداخلية، لسبب بسيط لأنه مجرد بندقية بلا فكر دولة.

خالد سلمان

.