حملات شيطنة الرئيس "عبدالناصر" ليس المقصود منها عبدالناصر بل فكره وتجربته

2024-03-25 23:34
حملات شيطنة الرئيس "عبدالناصر" ليس المقصود منها عبدالناصر بل فكره وتجربته
شبوه برس - خـاص - القاهرة

 

يعني إيه؟

هذا رجل توفي منذ 54 عاما ونسله لم يعد في الصورة وأسرته منها من غادر مصرا ومنها من بقي في الظل، وأعوانه جميعا ماتوا واختفوا وتواروا عن المشهد..

 

*- شبوة برس – سامح عسكر (*)

إذن ما المقصود؟ المستهدف هو (تجربة عبدالناصر وأفكاره) وهذه التجربة والأفكار يمكن تلخيصها في الآتي:

 

أولا: القومية المصرية والوطنية المعادية للاستعمار الأجنبي الأوروبي، ففئة كبيرة ممن يشيطنون عبدالناصر هم أنصار التجربة الغربية الإمبريالية والعولمة وتذويب الثقافات والهويات لصالح ثقافة وهوية (الرجل الأبيض)..

 

ثانيا: الفكر التقدمي الليبرالي واليساري، ففئة كبيرة من أعداء ناصر هم من الجماعات الدينية التي ترى ضرورة العودة إلى الماضي، واحتقار الحاضر والمستقبل، والنظر إلى أي فكر تقدمي على أنه تغريبي كافر..فئة ترى ضرورة العودة إلى نظام الخلافة ودولة الشريعة وترى النظام الجمهوري الذي أسسه ناصر هو نظام غير إسلامي..

 

ثالثا: الفكر الجمهوري القائم على انتخاب وشعبية رأس الدولة، وأعداء هذا الفكر من أنصار الملكية المطلقة سواء من الأخوة العرب، أو من الجماعات التي ترى أن النظام الإسلامي أقرب إلى الملكي الوراثي منه إلى الجمهوري، نظرا لتجربة الخلافة في الماضي منذ العصر الأموي إلى العثماني والقائمة على (الملكية المطلقة الوراثية)..

 

رابعا: العروبة والقومية العربية، والفئة الأكبر من خصوم عبدالناصر من يرون العرب شعبا همجيا غير حضاري ويستحيل تحضره، وينطلقون من فكرة (الجين المتخلف) وهي فكرة عنصرية غير علمية سائدة حاليا في الوسط الراديكالي القومي المتطرف من الكيمتية في مصر ضد العرب والأفارقة، أو الأقيالية في اليمن ضد غير اليمنيين، أو الوطنجية في السعودية ضد غير السعوديين.

 

خامسا: عبدالناصر يمثل أيضا الجناح المقاوم للصهيونية اليهودية والمسيحية الدولية، فكل أنصار إسرائيل من صهاينة العرب أو العالم هم أعداء شرسون للغاية للرجل وتجربته ويرون أنها تمثل فكرا متحجرا ومتخلفا، لأن التطور والتقدم لديهم في التحالف مع إسرائيل، ونبذ الفلسطينيين ووصف قضيتهم بالفاسدة والزائفة..

 

سادسا: الاستقلال السياسي والعسكري، فمصر خلال فترة عبدالناصر أسست وعرفت بدولة "عدم الإنحياز" لقد أثر ذلك حتى على النخبة والسينما ورجال الدين، ولم يتبن المصريون موقفا سياسيا لدولة ضد أخرى، بل انطلقوا من فكرة أن مصر قطب إقليمي كبير ومؤثر له امتداده العربي والأفريقي..وبالطبع خصوم استقلال مصر ومن أرادوا تبعية ناصر لهم هم يهاجمون الرجل الآن بشكل انتقامي عنيف يرون فيه أن مصر كانت من أسباب فشلهم..

 

ومعلومة على الهامش: عبدالناصر مقالش (سنرمي إسرائيل في البحر) هذا كلام بعض القادة العرب في الخليج، ومصر على لسان مسؤوليها لم ينطقوا هذا اللفظ، والغالب على لسان عبدالناصر هو الربط بين إسرائيل والاستعمار البريطاني، لأن مصر في عهده كانت تستقل عن بريطانيا في ظل ترصد إسرائيل واشتراكها في عدوان 1956 فكان يرى أن قادة الصهاينة هم سلاح بريطاني ضد مصر لإعادة احتلالها..

 

أمريكا هذا التوقيت لم تظهر كعدو وخصم للمصريين..وإن كانت تختلف سياساتها عن اتجاه الدولة في عدم الانحياز...

 

أعلم تماما عيوب التجربة الناصرية، وأفضت كثيرا منها في الماضي، لكنها عيوب منها ما هو منتهي إلى غير رجعة، ومنها ما يبقى ويستمر بحكم طبيعة النظام المؤسس بعد يوليو والذي يمنع كثير من الحريات ويعيش في ظل طوارئ لعدم عودة أبرز أعداء الجمهورية والثلاثي المعروف (بالإقطاع – والاستعمار – والإسلاميين)

 

فليس معنى إلقاء الضوء على خصوم عبدالناصر هو تشجيع (كامل تجربته) ولكن لشرح ماهية ودوافع ومرجعيات الخصوم، فالعدوّ حين يريد اختراق خصمه يبدأ بأفكاره أولا..فإذا فشل وكان قادرا على غزوه بالسلاح لن يتردد، وفي هذه المرحلة عدوّ المصريين يريد اختراق أفكاره وتطبيعه بهوية وثقافة مختلفة، وبالطبع لم يجد أسهل من تجربة ناصر كنقطة انطلاق يركز فيها على عيوبه المشهورة..

 

*- كاتب ليبرالي..سفير للسلام وعضو منظمة بالأمم المتحدة، روائي وباحث تاريخي وفلسفي..مُحاضِر ومؤلف ١7 كتاب، يكره الطائفية والعنصرية مهتم ب #نقد_الموروث وحقوق الإنسان