رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد

2025-05-05 21:20

 

سعادة دولة رئيس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك المحترم.. تحية يملؤها رجاء المنهكين، وصبر الموجوعين، وغضب الصامتين، أكتب إليك هذه الرسالة بصفتي مواطنًا في وطن تآكلت أركانه، يتنفس على أنفاس الكهرباء حين تأتي، ويعيش على قطرات ماء إذا وصلت، ويتعلق بفتات أمل في وطن نهبت ثرواته، وسرقت أحلام أبنائه، وانهارت فيه كل مقومات الحياة الكريمة.

 

أكتب إليك هذه الرسالة في ظلمة حالكة، لا أرى فيها شيئًا سوى وهج شاشة هاتفي المحمول الذي أنار لي بعض الحروف في مدينة عدن الذي أطفأتها السياسة وأكلتها الحرب وأغرقها الإهمال.

 

دولة الرئيس،

لا نريد أن نراء صورك في صدر الصحف، ولا زياراتك المحفوفة بالكاميرات، ولا كلماتك التي تلقى من فوق المنصات كخطب الملوك، فقد سمعنا ما يكفي، وشاهدنا استعراضات من سبقوك حتى كرهنا وجوه السياسيين. الشعب لم يعد يخدع بالبدلات الفاخرة ولا المواكب المدرعة ولا اللقطات المسرحية التي تتكرر كلما تسلم أحدهم منصبًا.

 

دعنا نعرفك من الضوء الذي يشق عتمة بيوتنا، اجعلنا نراك في شعلات الكهرباء التي نسينا نورها وسط انقطاعات أحرقت أجسادنا وأعصابنا، دعنا نراك في قطرة الماء التي تسيل من صنبور ماء ميت، دعنا نراك في إبرة دواء تنقذ مريضًا يحتضر على سرير في مستشفى بلا أكسجين، دعنا نراك في كتاب يصل لطالب في مدرسة متهالكة دعنا نراك في ربطة عنق أستاذ جامعي يقف شامخا أمام طلابه أعدت له جزء من كرامته بعد أن أنهكته ظروف الحياة حتى أصبح الطالب ينظر إليه بعين الشفقة.

 

لا نريدك أن تزور المستشفيات والمرافق الحكومية وتصرخ أمام عدسات الكاميرا. لا تهز طاولة المسؤول الفاسد أمام الإعلام، فالشعب مل التمثيل، دع الفاسد يرتعد وهو جالس على مكتبه، حين يعلم أنك تقرأ الأرقام وتتابع التنفيذ بصمت، حين يشعر أن رقابتك لا تنام، وأن يدك ستصل دون ضجيج.

 

لا تطلق الوعود، فقد شبعنا منها، ولا تصنع أحلامًا زائفة، فقد صرنا نحلم أن نحلم. لا ترفع الشعارات، بل ارفع الأنقاض، لا تحدثنا عن التنمية، بل ازرع أول بذرة لها في أرض أجدبتها الصراعات، نحن لا نريد معجزة، نريد أن نرى مؤسسات الدولة تنهض نريد إدارة لا ارتجال، عدلًا لا محسوبية، خدمات لا خطابات، الناس لا يهمهم كم مرة ظهرت على التلفاز، بل كم مرة أنقذت فيها إنسانًا من موت معلن بسبب الإهمال.

 

دولة الرئيس،

نحن لا نطلب المستحيل، ولا ننتظر منكم إعمارًا شاملًا في ليلة وضحاها، لكننا نطلب أفعالًا لا أقوالًا نطلب جدية وضميرًا حيًا لا استعراضًا زائفًا.

 

هل تعلم أن المواطن في عدن أصبح يقيس مدى الحياة بعدد ساعات التيار الكهربائي؟

 

وبحبة دواء في مستشفى لا يجدون فيه حتى سريرًا نظيفًا؟

 

هل تعلم أن الطالب الجامعي لا يحلم بوظيفة، بل أن تفتح جامعته في موعدها؟

 

أن الموظف لا يحلم بترقية، بل بمرتب يكفيه ليعيش أسبوعًا؟

 

أن المريض لا يحلم بالعلاج، بل بأن لا يموت في طابور الانتظار؟

 

لا تكن مثل من سبقوك، لا تلبس نفس القناع، ولا تمشِ نفس الخطى لقد أنهك الشعب وهم التغيير، وخذلته الوجوه الجديدة التي ما لبثت أن أصبحت جزءًا من الفشل.

 

نريدك أن تكون مسؤولًا يعمل في صمت، يحاسب في سر، يبني بلا إعلان، يغير دون استعراض اجعل إنجازاتك تتحدث عنك دع الطفل يرى نور الكهرباء ويبتسم دع كبير السن يشرب ماءً نظيفًا ويباركك، دع المريض يجد الدواء ويدعو لك في سره.

 

عدن وغيرها من المدن لا تحتاج إلى نجم سياسي، بل إلى رجل دولة لا تحتاج إلى استعراض إعلامي، بل إلى رجال يعملون في الخفاء ويتركون أثرًا في العلن.

 

دولة الرئيس،

التاريخ لن يسامح من يرى النكبة ويصمت، ومن يرى الانهيار ويتفرج، وأنت اليوم في موقع لا يحسد عليه، لكن أمامك فرصة لتكون مختلفا، وان تفتح نوافذ الأمل، لكن اياك ان توهمنا أصلح ما تستطيع، لكن لا تكذب علينا أنقذ ما تبقى واكتب اسمك لا في دفتر الحكومة، بل في قلب الشعب.

 

وفي الأخير إن لم تسمع صرخة الجائع، فاعلم أن في قلوب الناس بركانًا لن تصده جدران القصور إن لم تروا عطشهم للكهرباء والماء والدواء والأمان.

 

وختامًا

إن لم يكن بوسعك أن تكون شعاع النور، فلا تكن سببًا آخر في الظلام.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

باحث عن حياة

 

*- سالم أحمد المرزقي