نائب رئيس الانتقالي أحمد بن بريك ينتقد الاختلالات في الأداء السياسي والتنظيمي للمجلس.
نقد حاد تحت سقف الثوابت
*- شبوة برس - العرب
الانتقادات الحادّة التي وجهها نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي أحمد سعيد بن بريك لأداء المجلس وقراراته، لا تمثّل في نظر المتابعين لشؤون الانتقالي ظاهرة سلبية أو علامة نقص في تماسكه ووحدته الداخلية، بقدر ما تمثل علامة صحية وتعكس مرونة قيادته وقابليتها لتعدّد الأصوات في إطار النقد الهادف للمراجعة والتصحيح وتحت سقف الالتزام بالثوابت الكبرى وعلى رأسها فكرة دولة الجنوب المستقلة التي تمثل العمود الفقري لمشروع المجلس.
أبرزت انتقادات وجهها القيادي البارز والعضو المؤسس في المجلس الانتقالي الجنوبي أحمد سعيد بن بريك للأداء السياسي والتنظيمي للانتقالي ملامح حركة تصحيحية من داخل المجلس، وكشفت مجدّدا عن المرونة التي تميّز الأخير وقابليته للمراجعة وتلافي الأخطاء والنقائص.
ودعا بن بريك الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الحامل لمشروع استعادة دولة الجنوب المستقلة بمناسبة الذكرى السنوية لفك الارتباط بين الجمهورية العربية اليمنية واليمن الديمقراطية الشعبية والذي يصادف الحادي والعشرين مايو من كل سنة، إلى إجراء قراءة موضوعية لتجربة السنوات الماضية التي أظهرت، بحسب ماورد في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي “جملة من التحديات والاختلالات في الأداء السياسي والتنظيمي للمجلس.”
ويتمتع الانتقالي الجنوبي بقوة تنظيمية وحضورا أمنيا على الأرض في مناطق الجنوب كما يتمتع بتمثيل قوي ضمن مؤسسات السلطة اليمنية المعترف بها دوليا بما في ذلك مؤسستها القيادية مجلس القيادة الرئاسي.
*- موجة الانتقادات الحادة من داخل الانتقالي الجنوبي علامة على مرونته وتسامحه مع تعدد الأصوات وقابليته للتصحيح والتدارك
وبقدر ما مثلت شراكة الانتقالي مع الشرعية اليمنية نقطة قوة له فقد رتّبت عليه عبءا كبيرا بات يشعر بوطأته أكثر من أي وقت مضى بفعل اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على حياة السكان ومستوى الخدمات المقدّمة لهم الأمر الذي أثار مخاوف على شعبية المجلس كون الأزمة تطال بشكل أساسي مناطق نفوذه في الجنوب والتي يراها مجالا جغرافيا للدولة المستقلة التي يعمل على استعادتها.
وتفسّر تلك المخاوف موجة النقد الذاتي ودعوات تقويم المسار وتصحيحه من قبل أعضاء في المجلس ومقربين منه والتي انخرط فيها أخيرا بن بريك نفسه.
واستهل نائب الانتقالي الجنوبي منشوره بتأطير نقده ودعوته للمراجعة والتصحيح ضمن سقف ثوابت المجلس وأساسيات مشروعة السياسي قائلا إنّ “السنوات الثلاثين الماضية أثبتت أن حلم استعادة الدولة الجنوبية لم يكن نزوة عابرة بل حقا أصيلا لشعب قدم الشهداء وتحمل صنوف المعاناة وصمد في وجه محاولات الطمس والتهميش وأصرّ على التمسك بحقه في استعادة دولته بحدودها قبل عام 1990، وهوية مستقلة وسيادة كاملة،” مضيفا قوله “ما زال هذا الشعب الوفي برغم كل التحولات ثابتا على موقفه متمسكا بحلمه ورافعا علم الجنوب رمزا للحرية والكرامة.”
ورأى أنّ “مسيرة النضال الجنوبي شهدت في مراحلها مشاريع سياسية متعددة، كان أبرزها تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي الذي مثّل الكيان السياسي الجامع لأبناء الجنوب، وحمل تطلعاتهم في مرحلة دقيقة من تاريخ القضية الجنوبية، وفتح نافذة سياسية مهمة لصوت الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية.”
وفاجأ المتابعين بحدّة نقده للمجلس الانتقالي الذي يتبوّأ موقعا قياديا فيه وذلك بالقول إنّ “من المهم والواجب الوطني أن نجري قراءة موضوعية لتجربة السنوات الماضية، والتي أظهرت جملة من التحديات والاختلالات في الأداء السياسي والتنظيمي للمجلس، فقد اتّسمت بعض القرارات بالارتجال وغياب التخطيط، وشهدت مؤسسات المجلس حالات من الهيكلة العشوائية التي لم تستند إلى تقييم دوري لأداء الهيئات، وأهملت فيها معايير الكفاءة والشفافية.”
*- الانتقالي الجنوبي يتمتع بقوة تنظيمية وحضورا أمنيا على الأرض في مناطق الجنوب كما يتمتع بتمثيل قوي ضمن مؤسسات السلطة اليمنية المعترف بها دوليا
ومضى منتقدا طريقة إدارة الانتقالي وأسلوب اتخاذ القرار داخله، قائلا “طغت على بعض مفاصل العمل داخل المجلس نزعة بيروقراطية ومركزية مفرطة، وسادت روح من التسلط والتمييز في التعيينات وترتيب الأوضاع، سواء داخل هيئات المجلس أو في الشراكة مع الحكومة الشرعية التي اتسمت بخلل بنيوي أدى إلى تراجع فاعلية الحضور السياسي والإداري الجنوبي.”
وحرص بن بريك على التوضيح بأنّه نقده للانتقالي الجنوبي لا تمس جوهر المشروع ومكانته مؤكّدا أنّه “رغم تلك التحديات الحقيقية لا يزال المجلس الانتقالي الإطار السياسي الجامع لأبناء الجنوب من مختلف توجهاتهم ومكوناتهم، وهو الكيان الذي يحظى بثقة الغالبية الشعبية، باعتباره الحامل السياسي للمشروع الجنوبي نحو استعادة الدولة.”
وأوضح في المنشور أنّ “النقد البنّاء والاعتراف بالأخطاء والدعوة لتصحيح المسار لا تعني التخلي عن المجلس بل تهدف إلى تقويته وتعزيز أدائه، وتهيئته ليكون أكثر فاعلية في قيادة المرحلة القادمة.”
وذهب إلى أنّ “اللحظة الراهنة وما تحمله من فرص تاريخية تفرض علينا جميعا مسؤولية كبرى لتكريس وضوح الرؤية وتسريع وتيرة الإنجاز وتفعيل أدوات العمل السياسي بما يتماشى مع طموحات شعبنا الجنوبي ويواكب المتغيرات المتسارعة على المستويين الداخلي والخارجي”، معتبرا أنّه قد “آن للحلم المتأخر أن يتحول إلى واقع ملموس ينهي زمن الشعارات ويؤسس لعهد من العمل الوطني الجاد والمثمر”، معتبرا أن “من الأمانة التاريخية أن يُبادر كل مَن حمل هذه القضية أن يعيد ترتيب أدواته ويُسرّع الخُطى نحو الهدف الذي انتظره الشعب طويلا وراهَن عليه صابرا لا مترددا،” فالمستقبل بحسب بن بريك “لا يرحم المتباطئين والفرص لا تنتظر من يُجيد الخطابة دون فعل.”
ويبدو بحسب مطلعين على شؤون الانتقالي أن ما ذهب إليه نائب رئيس المجلس لا يمثل حالة فردية بل توجها تصحيحيا جماعيا، مستدلين على ذلك ببروز أصوات أخرى ناقدة للأوضاع وداعية للتصحيح والتدارك في إشارة إلى ما ورد قبل أيام على لسان عدنان الكاف القيادي والعضو المؤسس في المجلس الانتقالي الجنوبي والذي رأى أنّ المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها عدن ومحافظات أخرى قد كشفت عن تجاوز المواطنين مرحلة الغضب من تردي الأوضاع المعيشية والخدمية إلى مرحلة أسوأ تتسم بالكره لكل المكونات المشاركة في السلطة التي وصفها بالغارقة في الفساد.
وكتب الكاف الذي يشغل عضوية هيئة التشاور والمصالحة بمجلس القيادة الرئاسي اليمني وأيضا منصب وكيل عدن لشؤون التنمية، في منشور تحت عنوان “لماذا يكرهونهم” قائلا “أشاهد تعبيرات الناس في عدن وكراهيتهم العميقة للقائمين على السلطة في العاصمة عدن وكل محافظات الجنوب. فلم تعد المظاهرات تعبيرا عن استياء من تردي الخدمات أو تراجع المعيشة أو الفساد الذي فاق كل فساد العالم، بل تحولت إلى كراهية لكل ما يمت لهذه السلطات بصلة وانسحب ذلك الكره على جميع الأحزاب والمكونات المشاركة في هذه السلطات.”
ورأى الكاف في منشوره أن هذه المعطيات ترتب “على هؤلاء المتحكمين بالسلطة أن يصحوا ويفيقوا من نومهم ويتداركوا أمرهم.. ويسألوا أنفسهم: لماذا يكرههم الناس.”