*- شبوة برس – د حسين لقور بن عيدان (*)
منذ اللحظة الأولى لخروجه من الاتفاق النووي عام 2018، بدا أن ترامب يتبنى سياسة "أقصى ضغط" ضد طهران، لكن دون تحويل هذا الضغط إلى مواجهة عسكرية. هذه المعادلة خلقت وهمًا استراتيجيًا لدى القيادة الإيرانية، مفاده أن الإدارة الأمريكية، رغم عدائها، غير معنية بالحرب، وأن الردود المتوقعة ستبقى ضمن حدود العقوبات الاقتصادية وحروب التصريحات الإعلامية. هذا الإدراك شجّع إيران على الاسترخاء العسكري النسبي، مع الحفاظ على منسوب محدود من التوتر عبر الأذرع الإقليمية. لكنه أيضًا رسّخ قناعة بأن واشنطن، وحتى إسرائيل، لن تذهب بعيدًا في التصعيد العسكري المباشر. سياسة ترامب، القائمة على التهديد مع غياب الفعل العسكري الحاسم، ساهمت في خلق ما يمكن وصفه بـ"التخدير الاستراتيجي"، حيث باتت إيران تتوقع أن واشنطن لن تتورط في مغامرة جديدة بعد تجربتي العراق وأفغانستان، وبالتالي قلّلت من استعدادها لردع مفاجآت عسكرية.
بقراءة تحليلية متأنية، يمكن القول إن سياسات ترامب لم تكن مجرد استعراضات إعلامية أو مناورات انتخابية، بل ساهمت فعليًا في تغيير المعادلة الاستراتيجية في المنطقة. لقد أُضعفت إيران ليس فقط بفعل العقوبات، بل بفعل خداع التوقعات السياسية، وعُزلت بفضل صمت الحلفاء المفترضين، وفي مقدمتهم الصين. إن الضربة الأولى لا تنتصر وحدها في المعركة، لكنها تحدد شروطها. وربما كانت سياسات ترامب، بكل تناقضاتها الظاهرة، هي التي كتبت سيناريو تلك الضربة... منذ سنوات.
*- أكاديمي وباحث سياسي