يقول المثل الشعبي : هزّ الخطام يفطنك البعير أو الجمل. وبحسبي أنه مهما هزينا ودقدقنا فجمل لا نركبهُ ويركبنا لن يستجيب لنداءاتنا، وما رأينا عنده سوى مجرد خراط في ضراط؛ نعمل ترندات نشعل بها منصات التواصل الاجتماعي هو أساسا هيكله الخارجي مطلي بطلاء أسود مصمم لصد المؤثرات وعدم استيعابها والتفاعل معها، كأنّ جينه مخلوق من صخر صلد حطهُ السيل علينا من علي.
إلّا أنّه ورغم ذلك لن نيأس وسنستمر فمهنيتنا وضميرنا يحتّمان علينا المحاولات وتحمّل المشقة، ولنضع الجانب الإنساني كأولية قصوى نصعّده فوق كل الاعتبارات، ولنحفر لأجله بأظافرنا في الجدار ونحفر لعلنا نخرقه ذات يوم فنحشر المتلاعب الحقيقي في زاوية فلا يُترك أمامه مجالًا للمناورة والتهرّب من مسئولياته.
فنشوب حرب غزة وانخراط الحوثي فيها بشكل مباشر كان من البديهي أنّ مفهوم الصراع سيتعقّد ويتخذ شكلاً أعمق عما عرف به من قبل، لتصبح بناء جسور ثقة بين جميع الفرقاء من المحال حدوثها والوثوق بها إلا بفصل مسرح عمليات الجماعة الحوثية نفسها عن نطاقها الإقليمي وحصرها على نطاقها المحلي الذي سمح لها التحرّك فيه بسلاسة.
وكما يبدو في حسابات أولئك أن عشر سنوات إلى إثني عشر سنة هي أقصى حد ممكن لاستمرار الصراع الملتهب، وليهرعوا من حينه بإحداث خرق في جبل الجليد مع الحوثيين، هذا وكما ورد على لسان أحد مفكري القصر السعودي مبشّرًا غداة إعلان عمان نجاحها المقاربة بين وجهات النظر والوصول لخارطة طريق، بحرب فكريّة ستنشأ على إثر إنتهاء الحرب العسكرية.
وعليه يصبح التصالح مع الحوثيين المبني على المحاصصة الطائفية يزج بالجنوب فيه عنوة مرهون أولًا وأخيرًا بتوقف حرب غزة وما أدراك ما غزة، فكل المؤشرات والدلائل تقول بأن لا أمل في إنفراجة قريبة منها، فحماس بالنسبة لإسرائيل كما هو بيّن وواضح ما سوى تتخذها مظلة للتنكيل بالغزاويين، وهي عن طريق ما تقدم عليه من مجازر وحشية وحصار مطبق كمن تضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما المغادرة طوعيًا أو الموت بالقنابل والجوع والعطش، بما يعنيه للحوثيين هبة ربانية وفرصة ثمينة لا تعوّض لتسويق أفكارهم وادعاءاتهم.
فما يدور في مخيّلة الشرعية وحلفاءها من القلق لطول مسافة الصراع قد يقلب السحر على الساحر، عكسها يقع عند ذات الجماعة الحوثية التي بالتأكيد تُدرك بأنّ وضعها لايزال حرجًا ومتذبذبّ شعبويًا والحاضنة التي تواليها متنكرة بزيها، وإذا ما ذهب الجميع لعملية سياسية مدنيّة سترفع الغطاء عنها بالتدريج ليكنشفّ حينها حجمها الحقيقي، لهذا هي ترتأيّ ليس من مصلحتها إلقاء السلاح حتى تستشعر بأنها مؤمّنة اجتماعيًا بدرجة عالية تمكنها مجاراة الأحداث وضمان الاستمرارية والبقاء، وهذا باعتقادي يمثّلّ السبب الرئيسي الذي يدفعها للتباعد وإطالة أمد الصراع.
قياسًا على ذلك يكون تشديد إجراءات حصار قِبلي بغرض تركيع الشعب وإجباره على استيعاب التسوية السياسية ومخرجات الحل النهائي بغض النظر عن نتائجها تتوافق أو لم تتوافق معه، هو أمرًا سابق لأوانه بكثير، وإن ظلت الحالة بهذا الشكل من التدهور، من المؤكّد ستحدث ضررًا بالغ بشريحة واسعة، بما قد يدفع الكثير لتطبيق سيناريوهات عدة منها ركوب قوارب الموت بحثًا عن وطن بديل يوفّرّ لهم أدنى مقومات العيش الكريم؛ لهذا نناشدكم وفي الوقت نفسه ننصحكم يالسادة الكرام من تقع على عاتقكم المسؤولية الحقيقية خلافًا عن أولئك الديكورات من قبلوا على أنفسهم أن يكونوا بمثابة شهود زور على واقع بائس لايملكون إصلاحه بشيء... وقبل يكرر اليمني هجرة ثانية شبيهة بهجرة قوم سبا أبان انهيار سد مأرب، لتصحوا يومًا وقرىٌ ومدنٌ خاوية على عروشها فلا تجدوا المحاصرين سوى كلاب ضالّة تعوي واشباح تأوي، أن تعيدوا النظر في قواعد اللعبة، فالخطر يكاد يبلغ منتهاه إن لم يكن قد بلغ بالفعل، وكما يقال : ( الشيء لو زاد عن حده انقلب ضده) والتاريخ لا يرحم.
*- منصور الصبيحي