سنوات الحروب والصراعات لا تترك وراءها فقط الخراب والدمار، بل تصنع طبقة من أصحاب النفوذ والقوة، ممن يستغلون الفوضى والنفوذ والفساد، ليصنعوا لأنفسهم ثروات ومكانة لم يكونوا ليحلموا بها في زمن الاستقرار.
هؤلاء يدركون تمامًا أن أي إصلاح حقيقي يعني سقوط نفوذهم وانهيار مصالحهم، ولهذا يقفون في الخط الأمامي ضد أي محاولة لتصحيح المسار. ومن هنا، تأتي صعوبة وتعقيد مرحلة ما بعد الحروب، إذ يطول زمن الانتقال إلى الاستقرار بسبب مقاومة هذه الطبقة لأي تغيير يهدد امتيازاتها.
خذ مثال فوضى الأدوية؛ لا تراها بهذه الفجاجة إلا في بلادنا، بينما في الدول المستقرة هناك جهة واحدة تنظم استيراد الدواء وتحدد أسعاره وتفرض رقابة صارمة، والمستشفيات الخاصة جميعها تخضع لنظام موحد يتيح لأي طبيب الاطلاع على ملفك الصحي أينما كنت.
وقِس على ذلك ايضاً الصرافين الذين تضخمت ثرواتهم في زمن الانهيار، والقيادات العسكرية والأمنية التي كانت بالأمس بلا نفوذ وأصبحت اليوم تجارًا ومستثمرين كبارًا.
كذلك المسؤولين على المرافق الإيرادية، الذين كانت رواتبهم بالكاد تكفي قبل سنوات، ثم تضاعفت ثرواتهم في زمن الفوضى، وأصبحوا من كبار ملاك العقارات داخل البلاد وخارجها. هذه الثروات لم تأتِ من جهد منتج أو استثمار مشروع، بل من استغلال موارد عامة كان من المفترض أن تصب في خدمة الشعب.
هؤلاء هم حراس الفوضى، يدركون أن الإصلاح هو نهايتهم، لذلك يقاتلون ضده بكل الوسائل. وهنا يصبح واجب الشرفاء من النخبة أن يواجهوا هذه الطبقة بكل وعي وصلابة، لأن كسر نفوذهم هو الخطوة الأولى نحو بناء دولة العدالة والكرامة.
.