لم تحتج مدينة عدن إلا لساعات قليلة من الأمطار الغزيرة حتى غرقت شوارعها، وتعطلت الحركة، وامتلأت الأحياء بمياه السيول المختلطة بمياه الصرف الصحي، بل وحتى بمياه الشرب. تحولت الشوارع إلى بحيرات آسنة، وتقطعت أوصال المدينة، وانكشفت حقيقة مرة ظلّت مخفية خلف مشاريع صُممت على الورق أكثر مما صُممت على الأرض.
إن ما جرى لم يكن حدثًا طبيعيًا فحسب، بل كان اختبارًا صارخًا للبنية التحتية التي انهارت بسرعة، وكشف هشاشة الطرقات والمجاري المائية، وأثبت أن ما أنفق من مليارات الريالات لم يذهب إلى بناء مشاريع حقيقية تخدم المواطن، بل إلى مشاريع شكلية تآكلها الفساد منذ لحظة التوقيع عليها.
لقد عرّت الأمطار الفساد الذي عشّش في مؤسسات الدولة، وأثبتت أن ما نعانيه اليوم لم يأتِ من غضب الطبيعة وحدها، بل من فساد المسؤولين، ولعبهم بأموال الدولة، وتسليمهم عقودًا لشركات غير كفؤة، تهتم بالربح السريع أكثر مما تهتم بسلامة الناس وأمنهم.
اليوم يدفع المواطن ثمن ذلك؛ صحته في خطر من اختلاط مياه الصرف بمياه الشرب، حياته مهددة وهو يتنقل في شوارع تحولت إلى مصائد للمركبات، وأطفاله يعيشون وسط بيئة موبوءة قد تنذر بكوارث صحية أشد خطورة من السيول نفسها.
إن ما حدث في عدن يجب أن يكون جرس إنذار أخير. فالفساد لم يعد قضية إدارية أو مالية فحسب، بل أصبح مسألة حياة أو موت. ولهذا فإننا ندعو إلى:
1. محاسبة عاجلة لكل من تورط في مشاريع وهمية أو هشة أدت لانهيار البنية التحتية.
2. تشكيل لجنة هندسية مستقلة لمراجعة جميع المشاريع السابقة وتحديد مواطن الخلل والفساد.
3. وضع خطة طوارئ عاجلة لإنقاذ عدن من مخاطر التلوث البيئي والصحي الناتج عن اختلاط مياه الصرف بمياه السيول.
4. إطلاق مشروع وطني للبنية التحتية تشرف عليه جهات نزيهة، بعيدًا عن المحاصصة والفساد، يضمن بناء شبكات تصريف حديثة تتحمل الأمطار والسيول.
إن صمتنا على ما جرى يعني أننا سنشهد المأساة ذاتها في كل موسم، وأن أبناء عدن سيدفعون من صحتهم وحياتهم ثمن فساد لم يشاركوا فيه. لقد آن الأوان أن نقول كفى، وأن نجعل من هذه الكارثة بداية لمحاسبة حقيقية تعيد للدولة هيبتها، وللمواطن حقه في العيش بكرامة.