*- شبوة برس – م مسعود أحمد زين
قامت الوحدة اليمنية عام 1990 بين دولتين مستقلتين، هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، على أساس الندية والمساواة في السيادة والمسؤولية، وفق اتفاق تم توقيعه في 30 نوفمبر 1989.
وقد سبقت هذا الاتفاق حوارات طويلة وصياغة دستور جديد لدولة الوحدة، يقوم على اختيار الأفضل من نظامي الدولتين، وبناء شراكة سياسية متكافئة.
لكن ما إن أُعلنت الوحدة في 22 مايو 1990 حتى تبيّن أن الشراكة لم تكن متكافئة، إذ دخل الجنوب بعاطفة وحدوية صادقة، بينما دخل الشمال بمنطق المكسب السياسي، ساعيًا لاحتواء الشريك الجنوبي لا لمشاركته.
منذ اللحظة الأولى قدّم الجنوب تنازلات كبرى، منها التنازل عن رئاسة الدولة والعاصمة لصالح نظام صنعاء دون مقابل، ثم تبع ذلك تنازل أخطر تمثّل في إعادة تموضع القوات الجنوبية بعيدًا عن صنعاء، في حين أبقى الشمال قواته حول عدن، ما أخلّ بالتوازن العسكري الذي كان يفترض أن يضمن وحدة حقيقية.
وبعد أشهر قليلة، بدأ نظام صنعاء بفتح ثلاث جبهات داخلية ضد الشريك الجنوبي، تمثّلت في موجة اغتيالات سياسية، وتأجيج الانقسامات الجنوبية القديمة، وفتح ملفات التأميم في مناطق الجنوب فقط، في محاولة لتفكيك الجبهة الداخلية الجنوبية وإضعافها سياسيًا واجتماعيًا.
ثم جاءت انتخابات أبريل 1993 لتكشف حجم الخديعة، إذ تم تقزيم تمثيل الجنوب إلى 56 مقعدًا فقط مقابل أكثر من 180 مقعدًا لنظام صنعاء وحلفائه، في نتيجة اعتُبرت “الهزيمة السياسية الأولى” للشريك الجنوبي، تلتها “الهزيمة العسكرية الثانية” في حرب صيف 1994، حين شنّ نظام صنعاء الحرب لإسقاط مبدأ الشراكة بالكامل.
انتهت الحرب في 7 يوليو 1994 بسيطرة جيش الجمهورية العربية اليمنية على مؤسسات الجنوب، وتكريس واقع جديد تحت شعار “الوحدة”، بينما كانت الحقيقة هي عودة النظام القديم في ثوب جديد.
فقد ألغى النظام المنتصر مجلس الرئاسة الذي كان يضمن التمثيل المتوازن، وعدّل الدستور ليحصر السلطة بيد رئيس الجمهورية المنتمي أصلًا إلى صنعاء، لتتحول “الوحدة اليمنية” من مشروع اندماج متكافئ إلى عملية ابتلاع سياسي مكتملة الأركان.
بعد 1994، استُكملت عملية إقصاء الجنوب عبر تفكيك مؤسساته الاقتصادية والعسكرية والإدارية، ونهب ممتلكاته العامة والخاصة، ونقل المراكز السيادية إلى صنعاء، وإضعاف تمثيل الكوادر الجنوبية في مفاصل الدولة إلى مستويات هامشية لا تتجاوز 5%.
الخلاصة:
لقد نجح نظام صنعاء في إعادة إنتاج نفسه داخل دولة الوحدة، مستفيدًا من حُلم الجنوب بالوحدة العربية، ليحوّل هذا المشروع الكبير إلى غطاء سياسي لاحتواء شريكٍ تم تهميشه وتفريغ وجوده من مضمونه، حتى غدت الوحدة اليمنية — عمليًا — توسعًا جغرافيًا للشمال على حساب الجنوب، لا اتحادًا حقيقيًا بين دولتين.
#م_مسعود_احمد_زين