من يتابع المزاج الشعبي الأوروبي يلحظ أن الشعب الإسباني يكاد يكون الأكثر تعاطفًا مع فلسطين، مقارنة ببقية الشعوب الأوروبية. هذا الموقف لا يأتي من فراغ، بل يرتبط بجذور تاريخية وثقافية وسياسية متشابكة.
أولًا: الذاكرة الأندلسية. ثمانية قرون من الحضور العربي الإسلامي في إسبانيا تركت أثرًا عميقًا في الهوية والثقافة. هذه الذاكرة تجعل الإسبان أكثر قربًا من الشرق الأوسط، وأكثر استعدادًا لفهم قضية تقوم على الأرض والهوية والتهجير القسري، مثل القضية الفلسطينية.
ثانيًا: الدور السياسي لليسار الإسباني. تيارات كـ"بوديموس" والنقابات الطلابية والعمالية ترى في فلسطين رمزًا لحركات التحرر ومقاومة الاستعمار، وهو ما جعل الخطاب المناهض للصهيونية أكثر حضورًا وشرعية في إسبانيا مقارنة بدول أوروبية أخرى.
ثالثًا: الاستقلالية السياسية لإسبانيا عن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، مقارنة بألمانيا أو فرنسا، سمحت للرأي العام بالتعبير بجرأة عن موقفه المؤيد للفلسطينيين.
وأخيرًا: الحس الإنساني العميق في المجتمع الإسباني، الذي برز سابقًا في التضامن مع شعوب أمريكا اللاتينية ومع قضايا اللجوء والهجرة، جعل الفلسطينيين يجدون صدىً واسعًا لقضيتهم هناك.
إن تضامن الإسبان مع فلسطين ليس مجرد موقف عابر، بل هو مزيج من التاريخ والوعي الإنساني والسياسي، ولهذا نرى العلم الفلسطيني حاضرًا بقوة في شوارع مدريد وبرشلونة، أكثر من أي عاصمة أوروبية أخرى.