هل "المناطق المحررة" محررة حقًا.. أم مجرد حرية معلقة؟

2025-10-26 18:48
هل "المناطق المحررة" محررة حقًا.. أم مجرد حرية معلقة؟
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

شبوة برس – خاص

قال الدكتور "أحمد علي عبداللاه" إن التعبير المتداول عن “المناطق المحررة” يبدو في الظاهر يوحي بوجود خلاص نهائي وانعتاق كامل من سلطة قاهرة، إلا أن الواقع يكشف عن فضاء رمادي بين تحرر شكلي ووصاية مقنّعة على الأرض. وأضاف أن تعريف هذه المناطق بأنها خاضعة للسلطة المعترف بها دولياً، والتي خرج منها الحوثي وحلفاؤه عام 2015، لا يصمد أمام الحقائق اليومية للحياة العامة أو أمام معنى الدولة حتى بمفهومها البدائي. فالتحرر، بحسب عبداللاه، ليس فعلًا عسكريًّا فحسب، بل حالة سيادة كاملة على القرار والموارد والمجال العام.

 

وأوضح في مقال أطلع عليه محرر "شبوة برس": أن هذه المناطق تعيش تحت وصايتين متقاطعتين: وصاية التحالف العربي الذي لم يتمكن بعد عقد من إطلاق عاصفة الحزم من إعادة اليمن حتى إلى ما دون مستوى “اتفاق السلم والشراكة”، ووصاية أنصار الله الذين يهددون سلامة الأجواء والممرات المائية ويسيطرون على موانئ النفط، ما يفرض حالة “ستاتيكو” جيوسياسي تحافظ على البلاد في زمن معلّق، لا حرب كاملة ولا سلام فعلي.

 

وأشار عبداللاه إلى أن هذه الوصايتين تقفان على طرفي نقيض من حيث المصالح، فالأولى حاضنة تحت شعار دعم "الشرعية"، والثانية معادية توجه أدواتها المختلفة لزعزعة الأمن والاقتصاد، غير أن تداخل تأثيرهما يجعل حاصل جمع فعلهما تعليق المناطق المحرّرة في فراغ مخيف، فلا هي أُسندت لتحقيق انتصار أو فرض تسويات عادلة، ولا هي استقرت واستعادت مقومات الحياة.

 

وأضاف أن الوصاية الأولى تمنع الانفلات خوفاً من فقدان النفوذ والمصالح، فيما تمنع الثانية تجاوز حدود الحركة بما يضمن بقاء مفاتيح السلام أو الحرب بيد الحوثي. ونتيجة لذلك، تنكمش مساحة القرار الداخلي، ويظل الخلاص من حالة المراوحة القاتلة صعبًا، سواء في الجنوب أو في سائر "المناطق المحررة".

 

وأوضح أن “الشرعية” لا تستطيع اتخاذ أي قرار سياسي أو أمني أو اقتصادي دون موافقة التحالف، وفي المقابل تُجمّد أي خطوة تخدم مصالح المناطق المحررة إذا اعتبرت تهديدًا لسلطة الحوثي، ما يجعل الحديث عن “مناطق محررة" مجرد تكرار للخطاب السياسي المستهلك منذ أكثر من عشرة أعوام.

 

وأشار إلى أن المصطلحات السياسية ليست بريئة، فـ”المناطق المحررة” تعبير يجمّل العجز ويمنح لباسًا راكدًا لمفهوم النصر، أو نوعًا من التحرر في الخطاب يعوّض غياب التحرر الفعلي. فهي حرية مقنّنة ومحدودة، تُقاس بمسافة الصاروخ الحوثي ومدى التسامح الدولي معه. حتى الهيئات الدبلوماسية، بتعدادها الكبير، تعكس هشاشة الواقع، فتبدو أقل تأثيرًا من خلايا حوثية نشطة في الخارج ذات أثر أكبر على الحالة اليمنية.

 

وأكد أن خضوع البلاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتأثير قرارات أممية، يجعل ما تبقى من معنى التحرير موضع ألف سؤال، إذ أن القانون الدولي نفسه يفرض قيودًا على الإرادة وحدود السيادة. وهكذا تصبح "المناطق المحررة" و"السلطة الشرعية" رهينة موقف دولي وسياسي هش، محكومة بما يسعى للتحكم فيها أو قتلها. واستشهد بمقولة عربية قديمة: "ليس الذليل من قتلتموه وإنما الذليل من ملكتموه"، متسائلاً عن الصفة التي قد تليق بالسلطة الشرعية في ظل هذه المعادلة.

 

وختم الدكتور أحمد علي عبداللاه تحليله بالتأكيد على أن ما يُسمى بالمناطق المحررة ليس سوى مساحة حرية معلقة، مرتبطة بتحكم القوى الإقليمية والدولية، وخاضعة لضغوط وصايات متعددة، بعيدًا عن السيادة الفعلية وحق القرار المستقل، ليظل مفهوم التحرير في اليمن أكثر خطابًا من كونه واقعًا ملموسًا.