وصايا ملوك مصر القديمة.. لا تقتلوا النساء والأسرى وأطعموا الجياع ولا تروعوا الآمنين في بيوتهم

2025-11-03 20:35
وصايا ملوك مصر القديمة.. لا تقتلوا النساء والأسرى وأطعموا الجياع ولا تروعوا الآمنين في بيوتهم
شبوه برس - خـاص - القاهرة

 

تحيةٌ إلى التاريخ.. مواعظ ملوك مصر قبل الحرب: خطاب تحتمس الثالث وجهاده الأخلاقي للجيش

 

شبوة برس – خاص القاهرة 

تابعها محرر شبوة برس من المصادر التاريخية المصرية

قبل أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، وقف الملك تحتمس الثالث، أحد أعظم ملوك مصر القديمة ومؤسس أول إمبراطورية في التاريخ، يخاطب جيشه قبل معركة مجيدّو الخالدة. لم يكن خطابه دعوة للبطش أو الغزو، بل موعظة أخلاقية تشبه الرسائل السماوية في سموها، دعا فيها جنوده إلى التحلي بالرحمة والعدل واحترام الإنسان حتى في ساحة الحرب.

 

لطالما ارتقت القيادة في مصر القديمة مجرد التوسع العسكري أو البناء المعماري، لتصل إلى مرتبة الوصية الأخلاقية التي تضبط إيقاع الدولة والمجتمع. فالحاكم في نظر المصريين القدماء كان ممثلاً للإله على الأرض، ومسؤولاً عن تحقيق ماعت (ماعت) – مبدأ الحق والعدل والتناغم الكوني.

 

وصية الملك مري كا رع (من عصر الاضمحلال الأول، حوالي 2100 ق.م):

 

في واحدة من أقدم نصوص الحكمة والتعاليم التي خلفها حاكم لابنه ووريثه، نجد وصايا مذهلة في رقيها الأخلاقي. يوجه الملك مري كا رع ابنه قائلاً:

 

"أعدل مع كل الرجال... فالسكين لا تصلح لطفل." يحثه هنا على تجنب القسوة المفرطة حتى مع الأعداء، ويدعو للرحمة.

 

"كن رحيماً بساكن القبر العاجز، لا تظلم الأرملة، ولا تطرد رجلاً من ممتلكات أبيه." هذه تعليمات صريحة بعدم استغلال الضعفاء والمرأة والأيتام.

 

"لا تذبح أحداً لا ذنب له... فإنك ستؤذي روحك بذلك." وهي إشارة واضحة إلى تحريم قتل الأسرى أو الأبرياء، لأن ذلك إثم يضر بروح الحاكم نفسه قبل غيره.

 

تعاليم الحكيم آني (من عصر الدولة الحديثة، حوالي 1500 ق.م):

 

على الرغم من أنها ليست من قائد سياسي مباشر، إلا أن تعاليم الحكيم آني تعكس المنظومة الأخلاقية السائدة في ذروة الحضارة المصرية، والتي كان الحكام يتبنونها. يوصي ابنه:

 

"لا تروع رجلاً في بيته... دع الخائف يأتي إلى ملجئك، احمِه من خصومه." هذه الوصية تتطابق بشكل لافت مع النص المرفق "إياكم أن تروهبوا خائفاً مذعوراً".

 

"لا تمنع الخبز عن الجائع، ولا تمنع الماء عن العطشان." وهي قيمة اجتماعية راسخة، حيث كان إطعام الجائع وسد جوع الفقير من أساسيات رضا الآلهة.

 

المنهج الأخلاقي للملك أمنمحات الأول (حوالي 1991-1962 ق.م):

 

في تعاليمه الشهيرة لابنه، يقدم الملك أمنمحات الأول صورة للحاكم الحكيم الذي يوزع العدل ولا يثق بالجميع، لكنه في الوقت ذاته يؤسس لمسؤولية الحاكم تجاه رعيته.

 

لم تكن انتصارات الجيش المصري القديم تُسجل فقط بعدد الأسرى والغنائم، بل بتلك الروح الأخلاقية العالية التي يتحلى بها القائد والجندي. الوصايا المذكورة أعلاه، والمستقاة من نصوص "السبايت" الموجودة على برديات ومخطوطات جدارية في مقابر سقارة والأقصر والمعارض المتحفية حول العالم، تثبت أن البعد الأخلاقي والإنساني كان ركيزة أساسية في فكر القيادة المصرية، جاعلاً من الحرب ضرورة تُمارس بضوابط الرحمة، ومن الحكم فنّاً لتحقيق العدل وإرضاء "الإله العظيم".

 

**مصادر مصرية تاريخية موثوقة اعتمد عليها الموضوع:

 

1. **"تعاليم مري كا رع" (The Instruction Addressed to King Merikare):** محفوظة على برديات في متاحف برلين وسانت بطرسبرغ.

2. **"تعاليم الحكيم آني" (The Instruction of Any):** موجودة على بردية (Papyrus Boulaq 4) في المتحف المصري بالقاهرة.

3. **"تعاليم أمنمحات الأول" (The Instruction of Amenemhat I):** مسجلة على العديد من البرديات والقطع الأثرية.

4.  **مبدأ "ماعت" (Maat):** كفكرة مركزية في الفلسفة والحكم في مصر القديمة، موثقة في "نصوص الأهرام" و"نصوص التوابيت" والعديد من المناظر الجدارية.