الدكتور والطرطور

2025-11-06 10:44

 

في زمن تكاثرت فيه الأقنعة وتبدلت فيه القيم، يبرز فرق شاسع بين الدكتور القدوة والطرطور الذي يبيع كرامته بثمن بخس. فالدكتور هو الاستاذ والإنسان الذي يحمل رسالته وأمانته كما تحمل الأرض الجبال الرواسي، لا تهزه رياح المصالح ولا تغريه كراسي السلطة. يمشي في أزقة الحقيقة حافياً من الزيف، لا يبيع ضميره في سوق الحاجة، ويقابل المصاعب بابتسامة رقيقة و أفعال إنسانية يبتغي بها وجه الله. يقف في وجه الظلم كما يقف الصخر في وجه العواصف، وإذا سُئل عن معاناة الناس، لم يلتفت يميناً أو يساراً، بل يرفع صوته بالحق قائلاً: هذا خطأ، ويجب أن يُقال.

 

أما الطرطور، فهو ظل منحني فقد ملامحه وإنسانيته، يقوس ظهره أمام كل مسؤول، باع نفسه في سوق النخاسة ... يزين كلماته بعسل مسموم ويقسم بالله على ما لا يؤمن به. يصغر نفسه ليتقرب من أصحاب المال و المناصب، ويكبر المسؤولين حتى يبلغوا عنان السماء .. لا يؤلمه وجع الشعب ما دامت مائدته مزدانة بالولائم، يسكت ضميره بقطعة لحم سمينة، أو مبلغ يدخل جيبه ويقابل كل كلمة حق بابتسامة عريضة فارغة المعنى.

 

الفرق بينهما كالفرق بين نخلة تُظلل الجميع وتطعمهم ، وبين شجرة ميتة، فالأولى تورق حتى في ظل جفاف الضمائر، والثاني لا تورق ولا تثمر، طالما سُقيت بماء السحت وأكل المال الحرام.

 

*- أ د مهدي دبان