عــــدن وحــكــايـة بنـجلة الشــيـطـان

2013-11-24 18:01
عــــدن وحــكــايـة بنـجلة الشــيـطـان
شبوة برس - متابعات عدن

في التاريخ الشعبي لمدينة عدن الكثير من الحكايات التي ارتبطت بأسماء أماكن ظلت لعقود من الزمن حكاية عن هذا المكان.

 

وبالرغم من المسافات الزمنية التي تقطع علاقة الذاكرة بالشيء، تظل بعض ملامح الصورة تعيد رسم ذلك المشهد كصدى تسترجعه المخيلة في لحظات استدعاء صورة الماضي الذي غاب رسمه في الحاضر عن المشاهدة ولم يبق من ذلك التاريخ غير بعض أجزاء الحكاية.

 

عدن وحكاية بنجلة الشيطان، الكثير من أبناء هذا الجيل لم يعرفوا هذه القصة، وأين كان موقع البنجلة والذي يقع فيه الآن مبنى محافظة عدن القريب من مقبرة اليهود وماذا كان يحكى عن المكان من حكايات وما هو أصل المكان ولماذا أطلق أهل عدن لقب أو أسم (بنجلة الشيطان)؟؟.

 

ذلك المكان هو مقر المحفل الماسوني العدني الذي أسس في عام 1850م وتخيل كيف كانت تلك المنطقة من المعلا في ذلك الزمان؟ قبل أن تعرف العمران الحالي ما بين الجبل ومقبرة اليهود وأمام البحر، مكان خارج الزحمة السكانية لعدن، وقد صمم المحفل حسب الشروط العقائدية للماسونية، وكان لا يدخله غير الأعضاء، ودون شك كان للسرية دور في إطلاق أهل عدن عليه ذلك الاسم، فكلمة بنجلة تعني عند سكان عدن في ذلك الوقت العمارة وإضافة اسم الشيطان لها، دليل على أن المكان له مكانة موحشة عند العامة من الناس.

 

من الحكايات التي عرفت بين أهل عدن عن بنجلة الشيطان، عندما يأتي شهر صفر العربي، يقال إن الجبرت كانوا يقومون بخطف الأطفال أو أي فرد يمر من قرب هذا المكان، وبما أن عدن في تلك الحقب من الأزمنة لم تكن من حيث الزحمة السكانية كما هي في الحاضر، يكون هذا المكان في حالة منفردة، وحكاية خطف الأفراد ارتبطت بخرافة صناعة الذهب من دم الضحايا الذين يتم ذبحهم في داخل المكان، وتروى حادثة وقعت في فترة الحرب العالمية الأولى عندما وجد شاب مذبوحاً بالقرب من بنجلة الشيطان، وكانت كل كمية الدم الذي في جسمه قد سحبت منه، فهل هذا الطقس الديني يدخل ضمن طقوس (دم لفطير صهيون) حيث كان المحفل في عدن يضم عدداً من اليهود.

 

تقدم لنا الرسومات الهندسية التي صمم على موجبها محفل عدن الماسوني صورة عن الشكل الخارجي والداخلي، فمن الخارج، المدخل العام يصل الفرد إلى الباب الكبير بعد صعود ست درج إلى اليمين يقع العمود الأول وهو يرمز للشمس، وفي الجانب الأيسر يقع العمود الثاني وهو يرمز للقمر، وفي الأعلى مثلث، وهو يعني الحاضر والماضي والمستقبل وفي وسط المثلث يقع شعار الماسونية العالمي الفرجال والمنقلة في حالة التقاء، والثالوت يرمز إلى الولادة والحياة والموت كذلك، أما الدرج فهي ترمز إلى ارتقاء الفرد نحو الأخوة المقدسة.

 

الغرف لها نوافذ في كل غرفة نافذة ولها حديد حتى يمنع من الدخول عبرها، وهي من حيث التصميم لا تختلف عن نوافذ منازل عدن القديمة التي كانت تصنع في أسواق هذه المدينة، أما اللون الذي دهن به المحفل فهو الأبيض الذي يرمز إلى النور.

 

من الداخل يتكون المحفل من عشر غرف مختلفة من حيث الطول والعرض، وتعد قاعة الاجتماعات هي الأطول، وتوجد بها عدة صور لرموز وشعارات الماسون، الفواصل خشبية على شكل مربعات وهو نوع من الهندسة المعمارية عرفت في عدن ضمن أعمال النجارة التي امتهنها عدد غير قليل من سكان عدن، الأرضية من الأسمنت، وعندما يعقد الاجتماع يفرش بساط مربعاته تقع ما بين اللون الأسود والأبيض، أما الكراسي فهي توزع حسب المناصب في المحفل، توجد طاولة ولكنها صنعت حسب غرضها في المحفل، توضع عليها الكتب المقدسة حسب ظهورها في العالم، التوراة، الإنجيل، القرآن، لأن كل منتسب للمحفل يقسم على الكتاب الذي يتبع دينه.

 

خلف الطاولة توجد ثلاثة كراسي، الذي في الوسط يجلس عليه الأستاذ الأعظم وهو أعلى منصب في المحفل، الكرسي على اليمين يجلس عليه المساعد الأول والكرسي الثاني يجلس عليه مساعد آخر.

 

وحول تصميم شكل المحافل من الداخل يقول وولتون هنة: (ينبغي من الناحية المثالية أن تكون قاعة المحفل على شكل مكعب مزدوج بالرغم من أن هذا بالطبع ليس شيئاً جوهرياً ، حيث يمكن استخدام أي غرفة، مستطيلة من أجل تعيين الاتجاه، فالمحافل مثل الكنائس، من المفروض أن تواجه الشرق والغرب، وذلك لأنهم إن لم يفعلوا ذلك بصورة جغرافية فإن طرف منصة القاعة يشار إليه على أنه الشرق، والجوانب الأخرى نحو نقاط اتجاهات البوصلة النسبية، فالباب الموصل من غرفة مقابلة يقع في الزاوية الشمالية الغربية، أما الإخوان فيجلسون في صفوف على طول الناحية الشمالية والجنوبية والغربية.

 

ويجلس الأساتذة السابقون في الناحية الشرقية، وينبغي أن تكون الأرضية مثل رقعة الشطرنج بمربعات باللون الأبيض والأسود بحواف مفرضة، ويمثل هذا عادة بسجادة وهناك شعار بحرف “جي” معلق أو مرسوم على السقف في الوسط.

 

ويتخذ الأستاذ الموقر كرسيه ومنصته في الشرق، وينبغي أن تكون هذه من الطراز الأيوني، وشعاره المثلث يمكن أن يكون محفوراً أو مرسوماً على واجهة منصته أو قاعدته، ويوجد على المنصة مجلد القانون المقدس موضوع على خشبة مع مثلت وفرجار من الفضة أو المطلي بالذهب موضوعة عليهم عندما يكون المحفل مفتوحاً، بالإضافة إلى مطرقة وموجهة للصوت، وأحياناً صندوق عدة الشغل، وعموداً يكون منتصباً بصورة دائمة.

 

ويواجهه في الغرب القيم الكبير، أما كرسيه وقاعدته فمن الطراز الدوري وشعاره ميزان البنائين، وبجانب قاعدته يوجد حجر مربع منتظم، وكتلة مكعبة عادة تكون معلقة بحامل ثلاثي القوائم، أما القيم الصغير والذي شعاره شاقول البناء فقد أتخذ كرسيه وقاعدته (الكورنتية الطراز) منتصف الجهة الجنوبية.

 

وبجانبها حجر مربع غير منتظم، كتلة غير مصقولة مرتكزة على عمود، ويوجد لدى كل من القيمين مطارق وموجهات صوت وأعمدة، ويكون عمود القيم الكبير منتصباً عندما يكون المحفل مفتوحاً وأفقياً عندما يكون مغلقاً والعكس بالعكس بالنسبة للقيم الصغير.

 

ويوجد بجانب كل من القواعد الثلاث شمعدان، ويجب أن يكون شمعدان الأستاذ مشعلاً بصورة دائمة عندما يكون المحفل مفتوحاً، وعادة تكون مشاعل القيمين مشعلة أيضاً، ولكنها تطفأ لدى مراسم الترفيع إلى الدرجة الثالثة.

 

ويجلس الأستاذ السابق على المنصة مباشرة إلى يسار الأستاذ الأعظم الموقر، ويكون كبير الشمامسة على أو بقرب يمين الأستاذ الأعظم الموقر، بينما الشماس الصغير يكون على يمين القيم الكبير، ومكان الحارس الداخلي فيكون على الباب ولكن مكان الحارس الخارجي يكون في الخارج في الغرفة المقابلة).

 

كان محفل عدن يتكون من بناء أرضي ليس له طوابق مرتفعة، ولا يحيط به سور، ولكنه اختير له مكان مرتفع حتى يشاهد من الجهات الثلاث وخلفه يقع الجبل، فالقادم عبر البحر (ساحل معلا دكة) كان يشاهد المحفل، والخارج من باب عدن عبر العقبة يرى المكان، والقادم عبر خط المعلا البري ينظر إلى المحفل، ولأن المكان في تلك المرحلة لم يكن عامراً بالبنايات، فقد ساعد على خلق جو العزلة والأسرار حول حقيقة المكان وما يجري في داخله.

 

الصور التي تخص محفل عدن والتي تعود إلى الأعوام 1926م - 1927م - 1931م - 1936م - 1937م - 1940م - 1941م - 1943م - 1944م - 1945 - 1946م - 1947م - 1948م - 1949م، تقدم عدة معارف عن الأفراد الذين كانوا في إطار هذا المحفل، وهم من أعراق وأديان متعددة عرفتها عدن في تلك الحقب، مما يدل على أخذ أفضل الأفراد في هذا المكان، ولكن يمكن أن نعرف عبر تلك الصور أن العنصر الأوروبي هو الغالب على الأعضاء، إلى جانب الهنود واليهود، أما العرب فكانوا الأقل عدداً.

 

الملابس الغربية هي الصفة البارزة على مراسيم دخول المحفل، وحسب درجة العضو تصنع الإشارات الماسونية، وتبدو صور الأعضاء جماعة أو أفراد عليها سمة الصرامة والالتزام المطلق بتعاليم المحفل.

 

كانت توجد في داخل المحفل العديد من الوثائق والصور وكذلك قبور لبعض أعضاء المحفل الذين أوصوا بدفنهم في المكان، وسجلات تحتوي أسماء وتواريخ الانتساب، وشعارات تعد من حيث الأهمية في هذا المجال، كما كانت توجد قطعة كبيرة من الرخام الأبيض، عليها معلومات عن محفل عدن، وصورة قديمة لعدن في أعلاها نجمة داود، وصور لهيكل سليمان، والعين الواحدة التي ترمز لقوة الحق المطلق للمهندس الأعظم لهذا الكون، وهي نفس العين الموجودة على الدولار الأمريكي مع قمة الهرم المفصولة عن القاعدة.

 

ومن رموز محفل عدن، النخل والجمل والسفن الشراعية والجبال المحيطة بعدن وميناء صيرة، وقد بلغ عدد أعضاء محفل عدن من عام 1850م حتى عام 1961م 126 عضواً، معظمهم كانوا يلبسون الملابس الغربية باللون الأبيض أو البعض اللون الأسود ودون شك كان محفل عدن يتبع محفل الشرق الأعظم البريطاني الذي أسس في عام 1616م، ويعد محفل عدن أول محفل أسس في الجزيرة العربية، وهذا يعطي له منزلة خاصة في تاريخ الماسون على مستوى الوطن العربي، ومعظم المصادر المتصلة بهذه المحفل موجودة في الأرشيف البريطاني الذي يضم الكثير عن تاريخ بنجلة الشيطان في عدن، وهذه المراجع، إن وصلت إلينا، سوف تقدم معلومات مهمة عن قيام محافل مثل هذه في عدن، فنحن حتى الآن لا نعرف إن وجد محفل آخر غير هذا في عدن، ولا نعرف ما هي الأسباب التي دعت إلى هدم هذا المكان الذي أصبح من معالم عدن البريطانية نظراً لقدمه وفنه المعماري الخاصة، منذ هدمه غاب تاريخه في الدراسات والبحوث المتصلة بتاريخ هذه المدينة حتى صور المكان والأعضاء لم تعد موجودة في أي مرجع، وكل الوثائق المتصلة به لا نعرف أين ذهبت، هل بفعل وأمر جاء من جهات معينة، أم بفعل الصدفة التي قد تضيع من معالم الذاكرة الكثير؟.

 

لقد ظلت علاقة سكان عدن بهذا المكان محاطة بما يشاع عنه من غموض وأسرار حتى يظل الناس في حالة بعد دائمة عن موقعه، وقلة التردد عليه، وفي أوقات محددة، وطرق الدخول والخروج ونوعية الملابس، العزلة التي تحيط بالمكان، من الأسباب المساعدة لإشاعة مثل تلك الحكايات عن بنجلة الشيطان.

 

يقول الكاتب منصور عبدالحكيم في كتابه “أقدم تنظيم سري في العالم” عن طقوس قبول طلب الانتساب لعضوية المحفل: (يعد المرشح للدخول في العضوية من قبل الحارس الخارجي في الغرفة المقابلة خارج المحفل، ويجرد من معظمه ورابطة عنقه وكافة الأشياء المعدنية مثل النقود وأزرار الزينة وحلقات أطراف الأكمام والساعة اليدوية والنقود الورقية، وتفك أزرار قميصه ليكشف عن ثديه الأيسر ويلف الكم الأيمن إلى فوق الكوع.

 

أما الرجل اليسرى لبنطلونه فتكف إلى ما فوق الركبة ويخلع حذاءه الأيمن ويستبدله بشبشب مثل الخف، ويوضع حول عنقه شريط من الحرير لونه أزرق، ويتدلى طرفه على ظهره، وتعصب عينا المرشح بقماشة من المخمل الأسود أو الأزرق الفاتح.

 

يقرأ محضر الاجتماع ويجري التصويت على المرشح إن لم يكن قد تم هذا الإجراء قبل دخوله للمحفل، ويوقع المرشح في كتاب وثيقة مبادئ الهيئة الماسونية، ثم يطرق الحارس الخارجي طرقات الدرجة الأولى على الباب ويأخذ الحارس خطوة للأمام ويعطي إشارة الدخول ويقول: أيها الأخ القيم الصغير يوجد هناك تقرير أو خبر يراد نقله.

 

يقول القيم الصغير بعد أن يؤدي طرقات الدرجة الأولى ثم ينهض مؤدياً خطوة أيها الأستاذ الموقر يوجد تقرير.

 

الأستاذ الموقر: أيها الأخ القيم الصغير استعلم من يريد الدخول في الهيئة.

 

ينهى القيم الصغير الإشارة، ويفتح الباب، ويخاطب الحارس الخارجي: من الذي يوجد لديك هناك.

 

الحارس الخارجي: السيد فلان (يذكر اسم العضو الجديد) مرشح بائس في حالة ظلام والذي تمت التوصية به بصورة جيدة وجدير به، كما تم ترشيحه والمصادقة عليه في محفل مفتوح، والآن جاء بمحض إرادته واختياره، معداً بصورة صحيحة يتوسل بضراعة للسماح له بالدخول إلى أسرار وخفايا وامتيازات الماسونية.

 

الحارس الداخلي: كيف يأمل في الحصول على تلك الامتيازات؟

 

يلقى الحارس الخارجي المرشح الجديد: بعون الله ولكوني حراً وحسن السير والسلوك.

 

الحارس الداخلي: توقف إلى أن أبلغ الأستاذ الموقر، يغلق الحارس الداخلي الباب ويخطو للداخل ويعطي الإشارة: أيها الأستاذ الموقر، إن السيد فلان مرشح بائس في حالة ظلام والذي تمت التوصية به بصورة جيدة وجدير به.

 

الأستاذ الموقر: كيف يأمل أن يحصل على تلك الامتيازات.

 

يسمع الأستاذ الموقر تقرير عن حسن السير والسلوك للعضو المرشح، ثم يقول: أيها الأخ الحارس الداخلي هل قمت بالتأكد من أنه أعد بصورة صحيحة؟ الحارس الداخلي: أيها الأستاذ الموقر، قد فعلت.

 

الأستاذ الموقر: إذن دعوه يدخل حسب الأصول.. يعطي الحارس الداخلي الإشارة بالدخول.

 

يقدم الشماس الكبير كرسي الركوع في الزاوية الشمالية الشرقية، ويقوم بملاقاة المرشح على الباب الحارس الداخلي الذي يقوم بوضع رأس خنجر على ثديه الأيسر العاري ويسأله: هل تشعر بأي شيء؟

 

ويقول له المرشح: نعم.

 

فيرفع الحارس الداخلي رأس الخنجر بعيداً ليرى الأستاذ الموقر أنه قد قام بالواجب عليه.

 

ثم يقوم الشماس الصغير بأخذ يد المرشح اليمني بيده اليسرى ويقوده إلى كرسي الركوع.

 

الأستاذ الموقر: أيها السيد “فلان” بما أنه لا يمكن لأي شخص أن يصبح ماسونياً إلا إذا كان حراً وفي سن النضج، وكذلك فإنني أسألك، هل أنت رجل حر وبلغت سن إحدى وعشرين سنة؟

 

المرشح: نعم إنني كذلك.

 

الأستاذ الموقر: أما وقد تأكدت من ذلك فإنني سأكون شاكراً لك الركوع، بينما تكون بركات السماء ستمطر على إجراءاتنا).

 

سوف تظل حكاية عدن مع بنجلة الشيطان من المواضيع التي تتجاوز فيها الحقائق مع الغموض بفعل غياب المصادر وهدم المكان، ورحيل الجيل الذي عرف عدة أشياء عن ذلك المحفل، ولكن تظل الحكاية صورة من ذاكرة عدن التي يجب البحث عنها.

 

إعداد : نجمي عبد المجيد

نقلا عن 14 اكتوبر