في صنعاء الإسلام السياسي يتضخم

2015-01-06 18:08

 

نرى (جدلية الإسلام والسياسة), وما تحتدم به الساحة السياسية في صنعاء من خلافات وصراعات تأخذ لونها من لون الدم, وما يستل من معطف هذه الجدلية من مصطلحات ومفردات مثل: ضرورة فصل الدين عن الدولة - وفصل الدين عن السياسة - وفصل الدين عن التحزب وغيرها من المصطلحات, نراها اليوم في أوضح تجلياتها وفي أشد صورها قتامة وتضخما, ليس بين مؤيدي جعل الإسلام دين ودولة - أو من يسميهم البعض بأصحاب الإسلام السياسي -وبين معارضيهم, بل بين قُـطبَي الإسلام السياسي اليمني نفسه: (حزب الإصلاح والجماعات السلفية الوهابية وما بينهما من الجماعات المتطرفة العنيفة, وبين الجماعة الدينية السياسية الصاعدة- أنصار الله- زيدية الفكر والمذهب-). وكأننا أمام مجسمين كبيرين أحدهما يرمز للخلافة المندثرة والآخر للإمامة المنصرفة.!

 

وبعيدا عن الخوض في صحة أو عدم صحة القول المأثور: (الإسلام دين ودولة)، أو اعتباره حقيقة مقررة من عدمه. فهذا الأمر شائكا ومعقدا ومدعاة لجدل شديد حوله, ولكن الشيء المؤكد ان هذا القول قد تم تسخيره من أجل خدمة دعوة سياسية بحتة، هو الصراع على السلطة السياسية والسعي إلى امتلاكها بكل سبيل بالتوسل بالدين الإسلامي, فالايدلوجية هنا تغدو السلاح الأمضى الذي يتم اللجوء إليه للظفر بالسلطة.

 

الشيء الملفت للانتباه والذي نحن بصدد التطرق اليه ولو بصورة خاطفة هو تبادل المواقع الناقدة للطرفين, الاصلاح والمقربين منه, وجماعة أنصار الله, تمثل في الآتي:

 

-أولاُ: حركة انصار الله, ففي حين كانت بالسنوات الماضية تسجل المآخذ على مبالغة حزب الإصلاح والجماعات الدينية الأخرى بتسخير الدين وتوظيفه وجنوح بعض من رموزه الى لغة التكفير وتبرير للحاكم ظلمه وفساده وبطشه, نرى الجماعة أي -أنصار الله- اليوم وبعد ان تسنى لها الوصول الى مفاصل الحكم والسلطة تغض الطرف الى حد ما على ممارسات بعض رموز الحكم المقربين لها. وتبالغ الى درجة تدنو من مبالغ حزب الاصلاح والسلفيين بالخطاب الديني وانتهاز المناسبات الدينية لذات الغرض الذي كان يتبعه حزب الاصلاح. ناهيك عن جموح الجماعة نحو امتلاك اكبر مساحة من مؤسسات الدولة بذات الشراهة التي وصف بها حزب الاصلاح بالسنوات الماضية, والهرولة نحو الفوز بأكبر كمية من الأسلحة الثقيلة. صحيح انه لا مجال للمقارنة بين اسلوب التعبير عن الرفض والاحتجاج الذي تتبعه أنصار الله والجماعات المتشددة المحسوبة على حزب الاصلاح. فحركة انصار الله وانصافا للحقيقة هي اقل دموية وأقل عنفا إذا ما استثنينا العمليات الحربية والقتالية المباشرة بينها وبين خصومها على أرض المعركة المباشرة, وجها لوجه, مقارنة مع اسلوب التعبير عن الاحتجاج الدامي الذي تتبعه تلك الجماعات المتطرفة المتمثل بالأسلوب التفخيخي الانتحاري.!

 

- ثانيا: حزب الإصلاح. ففي حين كان هو الآخر يمعن بلغة خطاب الإسلام السياسي الى قبل عام تقريبا ويهتبل كل مناسبة دينية ليتخذ منها فاصلا دعائيا لمنتجه الحزبي السياسي للوصول الى وارف الحكم ورغيد السلطة نراه اليوم يقيم الدنيا ولا يقعدها من الخطاب الديني الذي تنتهجه جماعة أنصار, حتى أن مناسبة المولد النبوي الشريف صار بدعة وكفرا بواح في نظر بعض من رموز هذا الحزب, مع انه -أي الاصلاح- او على الاقل جناحه الإخواني يحتفي كل عام بهذه المناسبة كما تعمل جماعة الاخوان المسلمين الدولية. وعزوف الاصلاح عن هذا الاحتفال هذا العام والعام الماضي ليس نابعا عن قناعة لديه بقدر ما هو عنادا لأنصار الله ومناكفة له .علاوة على نقده اليوم لامتلاك أنصار الله الاسلحة وهو الذي طالما تفاخر بحمل السلاح بمختلف احجامه باعتباره جزئاً من شخصية اليمني ورجولته.! وفي حين كانت الطائرات الامريكية البدون طيار في نظر حزب الإصلاح تقصف الارهابين في شبوة اصبحت اليوم طائرات تنتهك السيادة وتقتل الأبرياء من القبائل المقاومة في رداع وأرحب.

 

ربما ان حزب الاصلاح اليوم قد فطن الى خطيئته بتوظيف وتسخير الدين وجعله جسر عبور الى ضفة السلطة بعد ان شاهد صورته الإسلامية السياسية الموحشة واضحة وبدون رتوش في مرآة جماعة انصار الله.!