صورة تعبيرية من ارشيف شبوة برس
كانت لدي كثير من التساؤلات التي كنت أبديها عن القبيلة في الجنوب وهل هي مؤهلة لأن تقاوم العدوان إن حدث؟!
وكأن يساورني بعض الشك في ذلك يقابله اﻻستهجان تارة والرفض أخرى والموافقة أحيانا من بعض أصدقائي وزملائي.. أما اليوم وبعد هذه الحرب الظالمة التي شنتها العصبة الظالمة في الشمال على الجنوب أرضا وإنسانا فأقولها وبملئ الفم عظم الله أجركم أيها المتشبثون بالقبيلة وأحسن عزاءكم فيها.. فقد خاب ظنكم أيها المتفائلون من أبناء الجنوب وربما الوطن برمته فقولكم أن لا مستحيل أمام القبائل المتوشحة بالسلاح والمتمنطقة بآلة الموت قد ذهب أدراج الرياح..
صحيح أنكم كنتم تتوقعون أن تكشر عن أنيابها وأن تكون سندا ومددا لكل اليمن لا الجنوب وحسب إن احتدمت المعركة وتلاحمت الصفوف وما أعتقد أكثر المتشائمين ولا دار بخلده أنها ستتهاون عن نصرة المظلوم فضلا عن دحر العدوان دفاعا عن أرضها ومقدراتها ..
أما أن تفتح دورها قبل أرضها للعدوان فهذا يعد ضربا من المستحيل ..
وبدأت الحقائق تتكشف والمعادن تبرز أصالتها من زيفها حين خرج الحوثيون وحليفهم الطالح عفاش وتمددوا خارج ماكان يسمى بالشمال نحو الجنوب واشتعلت حرب كلامية لاهوادة فيها على قبائل البيضاء السنية وألصقت بها تهمت الخيانة وبيع الذمم على ساداتها وكبرائها لسيد صعدة وفتاها المدلل، فلما وطأ أرضكم أخذت كل قبيلة منكم تلعن أختها بالتهمة نفسها.. واتجهت قوات الحوثي وصالح تبسط على اﻷرض شرقا وغربا ومعها تزداد قناعاتي أنني كنت محقا في تقديري لحجم القبيلة في الجنوب وياليت ذلك لم يكن فذهبت أبحث عن مبررات لهذا علي أدمل الجرح فعللت النفس بالقول إن مدنية القبيلة وسماحتها تتجلى عند عنفوان القوة وأنها أختارت بيت المدنية والطاعة على عش القبيلة وبدويتها فقد طرقت أبوابها الثورة ووضعت سلاحها ﻷكثر من عقدين من القرن الماضي ولم يتبق لها إلا ما أرادته لها النخب السياسية المتعاقبة من العادات الجاهلية ومورثات العصبية السيئة الذكر والتي راج سوقها بعد الوحدة المباركة.
نعم هذا ماتبقى للقبيلة وأتمنى أن أكون مخطئا فيما ذهبت إليه بهذا الصدد .
اليوم يتعرض الجنوب للعدوان من فئة باغية فلم تتحرك فينا الجنوبيين إلا لغة التخوين لبعضنا البعض والنتيجة النهائية أننا أكتشفنا أنفسنا بأنفسنا أننا غارقون في وحل الخيانة إلا من رحم الله وهم قلة ليس لها نفوذ..
باﻷمس القريب تبادلنا التهم عمن فتح أرضه وكان بوابة الهزيمة لجاحفل الجيش القادم من الشمال في 94م بغض النظر عن رأينا في ذلك بالموافقة أو الرفض حينها أكتشفنا أننا جميعا ارتدينا ثوب الخيانة أو العمالة أو التواطؤ في أحسن الأحوال وكان عزاؤنا الوحيد أنها خيانة وعمالة من أجل الوحدة وتعبيرا عن حبنا للوطن الواحد وصدقنا أنفسنا..
أما اليوم فقد سطعت شمس العمالة والخيانة كالشمس في رابعة النهار وتبين زيف وطنيتنا وأن لاخطوط حمراء ولاصفراء ولاخضراء عندنا وأننا لاندين بالولاء للوطن ولا حتى ﻷهلنا وقبائلنا أوحتى لعصبية مناطقية أو مذهبية أو غير ذلك وإنما ندين لمن يدفع أكثر..
وأننا لسنا إلا مجموعة من المرتزقة ترضينا حفنة من المال..
لنقول بعدها لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده..
آه كم أتألم وأنا أكتب هذه الكلمات المبعثرة التي تشبه وطني المفقود فماكنت أحسب أنها ستأتي لحظة أجلد فيها ذاتي وأهلي لكنني وجدت أن لا مناص من إماطة اللثام عن وجه الحقيقة القبيح وإن كال لبعض التهم لي بسببها ..
لايهم .. ومايهمني هو أن أبوح بمايدور بخلدي وليكن ماكان لعلنا نكف عن جرح وطنيتنا حتى ونحن نلوذ بالصمت ونستسلم للأحزان.
لست مزايدا ولا متعصبا ولا منافقا -إن شاء الله- لكن أود أن تصل رسالتي التي مكنونها أننا لم نقم بواجبنا تجاه الدمار والخراب الذي يستهدف قلوبنا قبل أن يصل إلى مدننا وقرانا ويحطم أرواحنا ويخلق فينا إنسان الهزيمة الذي لا يمكن أن يصنع النصر وكانت آثاره تتجلى في العدوان على عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة وحضرموت والتي استسلمنا عندها وأخذنا نبكي فليس لنا إلا البكاء فما أضحى لنا بين الناس من شأن..
وهاهي عدن تنزف جراحاتها ويصرخ أطفالها ويستغيث شيوخها ونسمع عويل نسائها ولم نحرك ساكنا بل فرشنا لجيش الغزو أعيننا قبل أرضنا ليمروا إليهم حاملين آلة الدمار وهم من عولوا علينا أن نكون خط دفاعهم اﻷول فخذلناهم وكنا أهم أدوات قتلهم وأفتكها حين وجهنا خناجر الخيانة إلى ظهور بعضنا البعض فلم نر أحلاف قبائل شبوة الذي ابتلعتها الصحراء الربع الخالي ولا شقيقها الحضرمي الذي غاص في الرمال المتحركة رغم الاستعراض الذي ظهرا من خلاله كجيش لا يقهر ولايشق له غبار فاتضح أنهما ليسا إلا تجمعات كرتونية لمن يدفع أكثر وللأسف..
نتألم كثيرا لما يحدث لكننا نبكي بصمت وهدوء حتى لا يشمت فينا الحاقدون لكن ليس بوسعنا أن نصفق وأن يطول صمتنا لمايحدث خاصة حين نرى ونسمع أبناء عدن الذين ليس لهم قبيلة إلا مدينتهم التي يعشقونها ويهيمون بها.. والذين تحملوا نظرتنا العنصرية لهم التي وصمتهم بعيال ماما وأصحاب طيحني و رواد قصات الشعر وماضغي التنبل هذا هو حجمهم عند الكثير منا وما كان يعول عليهم في السلم فضلا عن الحرب أن يكونوا شيئا لكنهم أثبتوا أنهم وحوش كاسرة على من يقترب من عرينهم..
فشكرا لهم فقد جبروا كسرنا ولململوا جراحاتنا في مشهد جهادي أسطوري قل نظيره.. وحق علينا أن نقبل رؤوسهم ونضع أكاليل الزهور على قبور شهدائهم ..
عذرا لكم أيها اﻷبطال المغاوير عما سلف منا ..
عذرا لكم حين تحملتم سخريتنا و عنجهيتنا .. وشكرا لكم على كرم الضيافة.. وفوق هذا وذاك يحق لكم أن تسألونا عن دمائكم التي تسفك اليوم ويستلم أثمانها من باعوا نفوسهم للشيطان وكلمة أخيرة أقولها لهؤلاء فحواها ..
أيها البائعون بالله عليكم كيف طابت نفوسكم أن تصفقوا وتهللوا وتكبروا لقتل أهلنا في عدن وغيرها من مدن اليمن وقراه وتدمير حياتهم وأن تطلبوا منهم أن يقوموا بما تخليتم عنه في وجه الطوفان وأنتم من سطا على بيوتهم المتواضعة قبل ألة العدو الغاشمة وأنتم من سرقتم اﻷراضي التي ليس لكم حق فيها ووظفتم أبناءكم ومن له حق عليكم وهي من حقهم هم ونصبت أنفسكم عليهم حكاما وجعلت منهم تابعين قابعين محكومين تحت سطوتكم يا أصحاب الشوكة فلما ناداكم الواجب فإذا بالشجاع منكم ﻻذ بالفرار وهرب بنفسه وأهله..
ولم تكتفي بذلك بل بعتموهم في أسواق النخاسة التي أنتم تجارها واستلمتم ثمن بخس فيهم لقد سرقتم أحلامهم قبل أن تستوطنوا مدينتهم وتحاربوا مغانيهم وتدوسوا قناعاتهم وتشتتوا أفكارهم.. وتدمروا ذواتهم وتفرضوا الأتاوات عليهم كما تفعلون في حق كل الضعفاء في كل مكان..
ومع كل هذا فهم اليوم يغسلون العار الذي تجملتم به طويلا بملاحم البطولة والفداء ويخوضون نيابة عنكم معركة المصير حاولوا ولو لمرة واحدة أن تعودوا إلى ضمائركم وإنسانيتكم ووطنيتكم وتخلوا عن اﻷنانية والعصبية والعنصرية التي لم توظفوها حتى لحماية مصالحكم أمام الخصوم الحقيقين وقفوا معهم في صف الوطن ثم حاولوا أن تكونوا صالحين وتعيشوا بكرامة وتبادلوهم الحب والتقدير .
أرجوكم ثم أرجوكم إن لم تستطيعوا التغلب على طبائعكم الشيطانية والعيش بسلام فكفوا آذاكم عنهم بعد اليوم فهذا أدنى مراتب حسن الخلق ..
اليوم أبناء عدن ومعهم كل الشرفاء في هذه البلد بتناسون خطيئتكم ويتوسلون إلى أنسانيتكم أن تكونوا مع الوطن لا معهم فيا أيها الباعة للوطنية والنخوة والشهامة وأعراف القبيلة الحميدة لبوا النداء فالوطن وطن الجميع.
* بقلم/د. محمد أبوبكر شوبان - بيحان محافظة شبوه