عالم حلبي ..يحاورني حول الوحدة اليمنية

2015-05-20 05:25

 

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي دعاني أحد الأصدقاء وهو أستاذ في جامعة دمشق لمأدبة غداء في منزله وعرفني على الحضور الذين لا يتعدون سبعة أشخاص ولفت انتباهي شيخ جليل وعند مصافحته قال مضيفي :

أعرفك على الشيخ ابو علي الحلبي الذي يعرف اليمن ومشاكله أكثر منك !!!

وجلست بجوار الشيخ وهو ضرير ولكنه بصير القلب والنفس وباشرني بسؤال :

لماذا لم يتوحد اليمن الجنوبي مع الشمالي ؟

فقلت له :السبب ان في الجنوب نظام ماركسي وفي الشمال نظام يدور في فلك الغرب أي أننا ضحية معسكرين شيوعي ورأسمالي !!!

فقال لي :لا ...ليس هذا هو السبب.

فقلت له: اذن ما هو السبب برأيك ؟

فقال لي: هناك عدة أسباب يمكن ايجازها فيما يلي :

1-    ثقافة المجتمع الشمالي تختلف اختلافاً جذرياً عن الجنوب حيث ان الشمال لا زال متأثراً بالهيمنة التركية وحكم الإمامة التي دامت عدة قرون تتبع المذهب الزيدي الذي يستند على الحكم السلالي الذي بدوره يعتمد سياسة القمع وأخذ الرهائن من أبناء القبائل لضمان ولائها ويحكم البلاد حكماً مركزياً قوياً.

 

2-    العزلة الثقافية والحضارية التي فرضها حكم الإمامة على الشمال مما أدى الى تخلف كبير في التعليم والتخلف الحضاري في بنية المجتمع .

3-    سلطة القبيلة وشيوخ القبائل حلت محل الإمامة  في التسلط والقهر على المواطنين (الرعية)كما يسمونهم وبالتالي فرخ النظام الجمهوري الجديد عشرات الأئمة من شيوخ القبائل .

4-    ضعف مؤسسات الدولة وفشلها في اقامة العدالة الاجتماعية بين المواطنين بسبب هيمنة القبائل على مفاصل الدولة .

5-    انتشار الفساد والمحسوبية في مؤسسات الدولة وإضاعة  حق الضعفاء في حين تسلط الأقوياء على المجتمع.

وخلاصة القول أن الثورة التي اطاحت بالإمام لم تأت سوى بالقبيلة وتقوية نفوذها، وفي الجانب  الديني كرست الثورة تسلط الزيود الذين لا يشكلون 30% على كافة مفاصل الدولة، بينما يشكل الشوافع 70%من السكان وهم الأكثرية وهم المبدعون والناشطون في الحياتين  الاقتصادية والاجتماعية في اليمن .

فقلت له :وماذا عن الجنوب ؟ نحن لدينا تجربة مختلفة...!!

قال لي الشيخ أبو علي : نعم ولكن الجنوب عاش تحت الحكم الاستعماري البريطاني 139 عاماً وخاصة عدن اما باقي الامارات الجنوبية فلم تدخلها بريطانيا الا خلال السنوات الثلاثين الأخيرة لوجودها وبالتالي فإن بريطانيا استطاعت أن تجعل من عدن نسخة من الديمقراطية البريطانية فأنشأت برلماناً حراً ونقابات عمالية وانتخابات حرة وصحافة حرة وادارة مدنية حديثة . 

مما شكل هوة ثقافية واجتماعية بين عدن والإمارات الجنوبية آنذاك فمن مجتمع مدني الى حكم قبلي حتى أن سكان عدن كانوا ينظرون باستعلاء الى أهل المحميات سابقا ويصفونهم ب (البدو)ورغم قيام اتحاد الجنوب العربي عام 1959م لم تنضم عدن اليه الا بصعوبة في اوائل الستينات .

1-الجنوب بمجمله اهله ينتمون إلى المذهب الشافعي ولم تتأثر المدارس الصوفية في عهد البريطانيين بالتيارات الدينية الجديدة وظلت على حالها.

2-استفاد ابناء الامارات الجنوبية من دخولهم في الجيش والأمن والحرس القبلي سواء في عدن او المحميات آنذاك وتأثروا الى حد ما بالثقافة الجديدة ولكنها لم تؤثر في انتمائهم القبلي بل عمقته بينهم وبين القبائل الأخرى في الجيش والأمن والمنافسة على المراكز القيادية وتعميق الروح القبلية ، ثم سألني :  من أي قبيلة أنت؟؟ فقلت له : او تعرف قبائل الجنوب ؟؟؟

قال: نعم أعرفها ..

فقلت له: انا من قبيلة العوالق !!

قال: لقد كان الإنجليز يفضلون تجنيد القبائل الشرقية مثل العوالق والعواذل .

وهنا اتسعت دهشتي واستغرابي من المام هذا الشيخ الحلبي بالشأن الجنوبي فقلت له: نعم

قال: ولكن الحزب الاشتراكي اليمني عمق التنافر بين القبائل بدلا من دفعها الى التسامح او على الأقل كان من المفترض أن يعمل على توازن بينها في الجيش ولكنه فضل أدلجتها وتمزيقها !!

واستطرد قائلا: رغم أعمال القمع التي قام بها الاشتراكي الا أنه غاب عن وعيه ان الجنوب تاريخيا لم يخضع لحكم مركزي قوي الا في فترات قصيرة جدا ..ونسي الاشتراكيون ان فترة حكمهم لم تكن كافية لترسيخ وحدة الجنوب التي فرضوها عليه بالقوة...وكما تعلم ان الحضارم كانوا يتطلعون لقيام دولة خاصة بهم وكذلك أهل عدن .

بينما بقي ابناء القبائل الأخرى وحتى الموالون للحزب يتنازعون على مراكز النفوذ والسلطة داخل الحزب ..حتى تفجرت احداث 13 يناير عام 1986م

وكانت كارثية على الجنوب بأسره !! وفشل الاشتراكي رغم ادواته القمعية في تمدين القبيلة وترسيخ وحدة الجنوب وظلت المناطقية والقبلية هي التي تتحكم في القرار بكل جراحاتها واحقادها وظلت اورامها تنمو في وعي الذاكرة بين اجنحة الاشتراكي التي انقسمت في احداث يناير عام 1986م حيث لجأ القسم المهزوم الى شمال اليمن وتم احتوائهم  لصالحه للضغط على عدن مستقبلاً..

فقلت له : اذن ما هو الحل بنظرك؟؟؟

قال لي : الحل كما يلي :

1-    على الحزب الاشتراكي أن يتصالح مع نفسه أولاً والسعي لإعادة القسم المهزوم إلى عدن وإعادته إلى السلطة.

2-    على الحزب الاشتراكي أن يستوعب كافة الأحزاب السياسية الجنوبية والزعامات التاريخية والرموز الوطنية وإعادتها إلى الجنوب وإشراكها في السلطة.

3-    على الحزب الاشتراكي أن يعزز وحدة الجنوب وبث روح الوحدة الوطنية والتسامح بين أبناء الجنوب, والعمل على إعادة هيكلة الجيش والأمن بصورة متوازنة بين الجميع.

4-    العمل على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة لا تتبع أي معسكر شرقي أو غربي بل تنتمي لمحيطها الإقليمي والجغرافي العربي.

5-    إنشاء علاقات حسن جوار مع دول الخليج وتقوية الروابط التاريخية.

6-    الحفاظ على هوية الدولة الجديدة وترسيخها في ذاكرة الشعب من خلال العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.

7-    بعد تحقيق ذلك كله يمكن الاستفتاء الشعبي على إقامة الوحدة.

رغم أنني أشكك في نجاحها .. كما فشلت وحدتنا مع مصر!!

وهنا دعانا مضيفنا الأستاذ د.أحمد للغداء وقال لي مداعباً:" لقد دعيته حتى تسمع منه أن أكثر الماماً منك بمشاكل اليمن". فقلت: "نعم الله ..أن شيخنا الجليل قد أصاب فيما قاله وشخص الحالة والعلاج".