منذ فجر التاريخ، لم تعرف هذه الأرض ما يسمى بـ"الوحدة اليمنية" إلا على سبيل القهر، لا الإرادة. وحتى تلك اللحظات القهرية لم تصمد طويلًا أمام صلابة الجغرافيا، وتعقيد التركيبة القبلية والاجتماعية، وتناقض الهوية السياسية والثقافية بين الإقليمين؛ الجنوب العربي والشمال اليمني ليس هذا فحسب بل ان الجنوب لم يخضع لإمام أو سلطان واحد يحكمه ولم تتسلط قبيلة على أخرى طوال تاريخه بل اخذت الحروب تشتعل واذا قهرت قبيلة جنوبية من مثيلتها تنتقم منها ولو بعد حين !!
ويمكنني القول بصراحة تامة ان شعب الجنوب عروبي صادق النية، ولكنه صدقه فسر من جانب أشقائه في اليمن بأنه سذاجة وقلة خبرة وبلاهة !!
وجاءت الوحدة اليمنية عام 1990 لا كنتيجة طبيعية لتكامل اقتصادي أو تقارب فكري، بل كمشروع فوقي وارتجالي يشبه حصان طروادة ، تم باندفاع عاطفي وسذاجة سياسية من قبل قادة الجنوب حينها، الذين ظنّوا أن يدًا ممدودة من صنعاء تعني أخوّة، لا كمينًا محكمًا يراد منه ابتلاع الدولة المدنية الجنوبية في فم الكهنوت القبلي والعسكري الشمالي.
*الجنوب العربي: الدولة التي كانت
قبل الوحدة، لم يكن الجنوب فراغًا سياسيًا كما يحاول البعض تصويره. بل كان يمتلك دولة بهياكل مؤسسية، وتعليم عصري، وبنية قانونية متماسكة، وعلاقات دبلوماسية متوازنة. الدولة الجنوبية - على الرغم من تباين النماذج التي حكمته من سلطنة ومحمية إلى جمهورية - حافظت على معالم التمدن، وقطعت أشواطًا في تحديث المجتمع، وبناء الإنسان، وتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية .
والمؤلم في النفس الجنوبية أن الشعب الجنوبي قد ابتلاه الله بحكام جهلة لا يعرفون حتى أبجديات الحكم والسياسة .
والحقيقة التي لا تخفى على أحد أن الحزب الاشتراكي اليمني قد نفذ عملياته الإجرامية في الجنوب علنا تحت شعارات كاذبة ومضللة وتبين لاحقا للرفاق في الحزب أن من كان وراء ذللك كله هم الشماليون الحجريون المندسون في الحزب ، وأنا هنا لا أبرئ قيادات الحزب الاشتراكي من الجنوبيين بل أدينهم بتواطؤهم مع رفاقهم الشماليين وهكذا دمرت هياكل الدولة الجنوبية
في تلك التصفيات الجسدية والمذابح التي جرت في 13 يناير عام 1986م التي اقتصرت على الجنوبيين حصرا !!
وعند نيل الجنوب العربي الاستقلال كان أقرب إلى الدولة الحديثة، بينما كان الشمال يدور في فلك العصبية القبلية، وخرافة الإمامة، واقتصاد الغنيمة، ولا يزال.
*الوحدة: قناع للضم والقهر
ما حدث في 1990 لم يكن وحدة بل انضمامًا قسريًا، تَكَشَّفَ سريعًا في 1994 حين اجتاحت قوات صنعاء الجنوبَ، ففرضت واقعًا عسكريًا تحوّل معه الجنوب من شريك إلى تابع، ومن دولة إلى غنيمة. تم تفكيك مؤسسات الدولة الجنوبية، تسريح كوادرها، نهب مواردها، وتشويه تاريخها، واغتيال نُخبها.
الوحدة لم تجلب للجنوب سوى الاحتلال المقنع، والإقصاء المنهجي، والنهب المركّز، والإذلال السياسي. وحين طالب الجنوبيون بالإنصاف، ووجهوا بالحروب، والفتاوى، والسجون .
نحو استعادة الدولة الجنوبية النظام:
إن المطالبة باستعادة دولة الجنوب ليست نزوة عابرة ولا حنينًا إلى الماضي، بل هي استجابة موضوعية لفشل مشروع الوحدة، وحق مشروع لشعب تم سلب سيادته، وقمع تطلعاته، وتدمير مقوماته.
إن دولة "الجنوب" التي تلوح اليوم في الأفق، ليست بدعة جديدة، بل امتداد طبيعي لتاريخ طويل من الكيانات المستقلة التي قامت على هذه الأرض؛ من ممالك حضرموت وقتبان إلى السلطنات والمشيخات وحتى الجمهورية الشعبية.
إن الجنوب اليوم، بموقعه الاستراتيجي، وثرواته البحرية والنفطية، وتركيبته المدنية، بات مؤهلًا أكثر من أي وقت مضى ليبني دولته، بعيدًا عن عبثية الوحدة، واستغلال الشمال، وسرطان المركزية.
*الخاتمة
الوحدة الحقيقية لا تُبنى على الأنقاض، ولا تُفرض بالبندقية، ولا تصمد في وجه الدماء. لقد سقط قناع الوحدة، وآن للجنوب أن يعود دولة، تُبنى على الإرادة لا الوصاية، وعلى العدالة لا الثأر، وعلى الشراكة لا الاستتباع.
فالجنوب ليس تابعًا، ولن يكون. وإن دولة الجنوب العربي قادمة، لا بوصفها حلمًا، بل كحقيقة تفرضها الجغرافيا، والتاريخ، ودماء الشهداء.
د . علوي عمر بن فريد