تقرير : الحرب في اليمن: من هو الحليف الاستراتيجي المستقبلي للرياض؟

2016-03-16 05:45
تقرير : الحرب في اليمن: من هو الحليف الاستراتيجي المستقبلي للرياض؟
شبوه برس - متابعات - ابوظبي

 

تتضح ملامح انتهاء الحرب في اليمن شيئاً فشيئاً، عقب تحقيق القوات الموالية للحكومة الشرعية انتصارات في عدة جبهات من بينها تعز وصنعاء، وهي انتصارات بطيئة مقارنة بالدعم اللوجستي الكبير الذي تقدمه دول التحالف العربي بقيادة السعودية، سواءً عبر تقديم الأسلحة والمعدات العسكرية الضخمة أو عبر الغارات الجوية المكثفة التي تستهدف وقف تمدد الحوثيين والقوات الموالية للمخلوع صالح، وكذلك مع المتغيرات التي طرأت في المنطقة العربية، وأبرزها الانسحاب الروسي من سوريا.

 

يجري ذلك بعيداً عن أعمال العنف والاغتيالات الحاصلة في الجنوب اليمني، وتحديدا في العاصمة عدن، حيث يبحث الانقلابيون فرص النجاة من الهزيمة على يد القوات الشرعية والتحالف العربي التي باتت على مشارف صنعاء.

 

الحوثيون وحليفهم المخلوع صالح، افتعلوا حرباً تدميرية قضت على كل شيء خصوصاً في الجنوب اليمني، الذي شهد حرباً دموية، على عكس الشمال الذي سلم فيه اليمنيون مدنهم للمليشيات المدعومة من طهران دون قتال، باستثناء محافظة البيضاء اليمنية التي قاتلت المليشيات بشراسة لاعتبارات ثأرية قديمة تعود إلى عشرينيات القرن الماضي.

 

يوم الثلاثاء، الموافق 8 مارس (آذار) الجاري، بثت وسائل إعلام محلية يمنية خبراً عن دخول قيادات حوثية الأراضي السعودية، لبحث حلول سياسية مع الرياض التي تقود الحلف العربي لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، في خطوة وصفت بالجريئة، لكنها في ذات الوقت كشفت عن ذهاب جماعة الحوثي بشكل منفرد بعيداً عن الحليف المخلوع علي عبدالله صالح.

 

دوافع

تمكنت الغارات الجوية المكثفة التي يشنها التحالف العربي منذ فجر الـ26 من مارس (آذار) 2015 من تدمير المخزون العسكري الذي استولت عليه مليشيات الحوثي وقوات المخلوع صالح، فالجماعة التي كانت محاصرة في محافظة صعدة، وجدت نفسها فجأة في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، تدير كل مرافق الدولة، بعد امتناع القوات الموالية لعلي محسن الأحمر من مواجهتها، حيث صحا سكان صنعاء في 22 من سبتمبر (أيلول) 2014 على عناصر بملابس رثة، تدير حركة المرور في عاصمة بلادهم، في حين تنتشر في المداخل نقاط تفتيش لعناصر تمضغ أوراق القات بشراهة، وتتعامل مع المدنيين بعنجهية.

 

لكن سرعان ما أسقطت تلك العناصر مدن اليمن الشمالية، مدينة تلو أخرى دون قتال إلى أن وصلت محافظة البيضاء، التي شهدت أعنف المعارك مع القبائل، لعدة اعتبارات من بينها ثأر قديم لقبائل البيضاء لدى القبائل الزيدية التي احتلت المحافظة الواقعة في الوسط اليمني، في عشرينيات القرن الماضي.

 

عام على التدخل العربي

شعرت جماعة الحوثي، بعد مرور عام على التدخل العربي لوقف التمدد الإيراني في اليمن، أنها في طريقها إلى الزوال في ظل التصريحات التي أطلقها الرئيس عبدربه منصور هادي، وتأكيد نيته تصنيف الجماعة الحوثية كجماعة إرهابية، وهي تدرك أن ذات التصنيف قد يستثني القوات الموالية للمخلوع صالح، والتي يمكن احتواؤها ضمن الجيش الوطني، فسارعت لإجراء اتصالات مع الرياض، مستغلة وجود الجنرال علي محسن الأحمر في السعودية، الذي قد يلعب دور الوسيط، لوقف الحرب وبحث حل سياسي يبقي على كيان الجماعة الممولة من طهران.

 

ولا يبدو أن بحث الجماعة الحوثية لحلول سياسية مع الرياض وليد اللحظة، فالقيادي الحوثي علي ناصر البخيتي سبق له أن زار الرياض في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وكان أول لقاء جمعه في الرياض بعدو الأمس صديق المرحلة الحالية الجنرال علي محسن الأحمر، لقاءً حميماً، فالصور التي نشرها القيادي الحوثي الذي يقول إنه انشق عن الجماعة، أظهرت البخيتي والجنرال الأحمر وهما يتعانقان.

 

تحالف قوى الشر

أدرك الحوثيون عقب دحر قواتهم من عاصمة الجنوب، أن الأطقم العسكرية التي احتلوا بها مدن اليمن الشمالي، فشلت في احتلال الجنوب الذي انتفض في مواجهة المد الشمالي، باعتباره تكريساً للاحتلال اليمني السابق. وهو ما دفعهم وبتحالف مع الموالين للمخلوع صالح والإخوان المسلمين لتغذية أعمال العنف المفتعلة في الجنوب، وربما لأن الأطراف الثلاثة جمعها قاسم مشترك هو (الجنوب اليمني) الغني بالثروات النفطية والطبيعية، والمساحة الواسعة الممتدة من باب المندب إلى قبالة عمان. كما يعتقد الانقلابيون والإخوان أن إدخال عدن في الفوضى قد يدفع الجنوبيين للاستعانة بقوات عسكرية شمالية للمشاركة في تأمين عدن، وهو ما يعني للجنوبيين تكريس الاحتلال مرة أخرى لبلادهم.

 

ومن جانبهم، يتهم سياسيون جنوبيون ما يطلقون عليها "قوى الشر اليمنية" (الحوثيون والإخوان المسلمون وجماعة المخلوع صالح) بالوقوف وراء أعمال العنف والاغتيالات الحاصلة في بلادهم.

 

وكبدت المقاومة الجنوبية مليشيات الحوثي وقوات صالح خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، بدعم وإسناد قويين من التحالف العربي الذي تقوده الرياض، حتى أن الصور التي بثتها وسائل الإعلام المختلفة أظهرت جثث قتلى المليشيات في شوارع عدن ولحج بشكل كبير جداً، كما انتشرت على الإنترنت صور لقتلى حوثيين يتم جمعهم بالجرافات، في حين أظهرت صور أخرى قتلى حوثيين في مدينة خور مكسر والكلاب تأكل من جثثهم.

 

كان الحوثيون كأحد أبرز القوى اليمنية المسلحة التي تقر بمظلومية الجنوب باعتباره تعرض لغزو واحتلال يمني شمالي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكن تلك التصريحات التي كانت تصدر من قيادات في اليمن الشمالي، كان الهدف منها إيجاد موطئ قدم لهم في اليمن الجنوبي المليء بالثروات النفطية والطبيعية، فاستقلال الجنوب الذي ينادي به سكان محافظات اليمن الجنوبي قوبل برفض جميع القوى اليمنية، بما في ذلك الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين، وأتباع المخلوع صالح.

 

خطط للإطاحة منذ البداية

كان الجنرال علي محسن الأحمر يقود قوات الفرقة الأولى مدرع، وهي تشكيلات عسكرية مكونة من 23 لواء موزعة على مختلف المدن اليمنية وأغلبها تتمركز في الضاحية الشمالية للعاصمة صنعاء، مقر الفرقة.

 

في 21 سبتمبر (أيلول)، فر الجنرال علي محسن الأحمر من العاصمة اليمنية صنعاء ماراً عبر مناطق السيطرة الحوثية وصولاً إلى المملكة العربية السعودية، وبعد أكثر من شهرين ظهر في جدة، وكان حينها الرئيس هادي وأعضاء حكومته حوصروا من قبل الحوثيين في صنعاء، وصولاً إلى تقديم الاستقالة، ما حذا بهادي للذهاب إلى عدن.

 

ومن جانبهم، يقول مقربون من أروقة نظام صنعاء القديم إن صالح كان يخطط للإطاحة بهادي منذ الساعة الأولى لتسليمه الحكم، بمساندة قوية من كل القوى الزيدية الموزعة في جميع الأحزاب والقوى اليمنية وأبرزهم الإخوان المسلمون والحوثيون وأحزاب التحالف الوطني.

 

سلم صالح الحكم لنائبه الذي أصبح رئيساً توافقياً بانتخابات قوبلت بالرفض في مدن الجنوب، في 21 من فبراير(شباط) 2012، في حفل رسمي رعته دول الخليج، باتفاق أطلق عليه (المبادرة الخليجية)، منح صالح بموجبه الحصانة من الملاحقة.

 

اتصال صالح بالإيرانيين

أجرى صالح العديد من الاتصالات مع الإيرانيين، واتفق مع طهران على أن يطيح بهادي حليف الرياض، ليتم تنصيب أحمد علي عبدالله صالح رئيساَ، وعبدالملك الحوثي مرجعية دينية، ويتم بعدها إسقاط اليمن لمصلحة طهران وتهديد دول الخليج العربي.

 

وبدأ صالح فعلياً بتنفيذ مخططه ببدء تشكيل مجلس عسكري في صنعاء، وصولاً إلى تسليم كل الأسلحة والعتاد الذي جمعه طوال سنوات حكمه للحوثيين لإسقاط مدن اليمن الشمالي، حتى العاصمة اليمنية صنعاء.

 

واستمر صالح باتصالاته مع القوى اليمنية التي كان بعضها يعارض حكمه ومنها جماعة الإخوان المسلمون، وبالفعل، فعقب سقوط عمران بيد الحوثيين في 7 من يوليو(تموز) 2014، ذهب زعماء جماعة الإخوان إلى بلدة مران في صعدة على متن طائرة عسكرية للقاء زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، في حين نشرت وسائل إعلام صالح والإخوان أخباراً تحدثت عن تقارب إخواني مؤتمري.

 

ونشرت صحيفة إخوانية مانشيتاً عريضاً "سنتحالف مع صالح لإيقاف عبث هادي".

 

موقف الإخوان من الانقلاب

كان الإخوان المسلمون الذين خسروا معركة عمران، في مطلع يوليو (تموز) 2014، قد توعدوا بأن لديهم 40 ألفاً من المقاتلين الذين قالوا إنهم سينطلقون لقتال الحوثيين، لكن سرعان ما اختفوا ليفاجأ اليمنيون بأن مدنهم تسقط بيد المليشيات الحوثية القادمة من مران، دون أي قتال.

 

لكن مدير مكتب الشيخ عبدالمجيد الزنداني أكد في تصريحات لـ "الشرق الأوسط" في فبراير (شباط) المنصرم أن "قيادة جماعة الإخوان أصدرت أمراً بوقف قتال الحوثيين، والذهاب نحو مفاوضات سلمية مع الحوثيين".

 

كان الكثير من ساسة الإخوان والقوى الثورية في الحزب ترفض التقارب الإخواني مع المخلوع صالح، بما في ذلك قيادات بارزة أمثال توكل كرمان وألفت الدبعي، وقيادات وناشطين بارزين ينتمون إلى اليمن الأسفل(الشافعي)، ونظم ناشطون من جماعة الإخوان تظاهرات مناوئة للتقارب الإخواني المؤتمري الحوثي، لكن تلك التظاهرات سرعان ما تعرضت للقمع، وزج بالعديد من الناشطين في السجون والمعتقلات، وتعرضوا لأعمال تعذيب وحشية، تسببت في وفاة بعضهم.

 

وظل الإخوان على موقفهم المؤيد والمحايد في آن واحد إلى أن اقترب الانقلابيون من عدن، وعقب 11 يوماً من التدخل العربي، أعلن الإخوان المسلمون موقفاً مؤيداً لعاصفة الحزم.

 

لكن عناصر في جماعة الإخوان المسلمين قاتلوا في صف الحوثيين والقوات الموالية للمخلوع صالح، حيث بثت وسائل إعلام محلية وعربية صور بطائق هوية لقتلى حوثيين في محافظة البيضاء ينتمون لحزب التجمع اليمني للإصلاح.

 

اختلالات أمنية.. وخيانة

وفقاً لتأكيدات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، فإن 80% من مساحة اليمن مع الشرعية، لكن تلك المساحة المحررة، تشهد اختلالات أمنية متزايدة في ظل الضربات التي توجهها جماعات مسلحة، ربما تكون على ارتباط بجماعة الحوثي والمخلوع صالح، للجنوبيين. وتشي تلك الاتهامات بإدانة جماعة الإخوان المسلمين، الحليف غير الوفي للشرعية، فالإخوان لهم يد، أيضاً، في كل ما يحصل من أعمال عنف وإرهاب في الجنوب.

 

وتستهدف تلك الاغتيالات التي تتم في عدن وباقي المحافظات الجنوبية الجنوبيين دون سواهم، ناهيك عن الاستغلال الإعلامي للوضع الأمني في عدن من قبل وسائل إعلام الإخوان، ما يؤكد أنهم طرف في ما يحدث، فحتى حضرموت التي سقطت بيد القاعدة في أبريل (نيسان) 2015، لم ترصد وسائل الإعلام قيام تلك الجماعات باستهداف الضباط والجنود الشماليين فيها، ما يعزز فرضية اتفاق شمالي على استهداف الجنوبيين لمنعهم من الذهاب نحو استعادة بلادهم السابقة التي احتلتها صنعاء.

 

فشل الانقلاب في اليمن، مع اقتراب القوات الموالية للحكومة الشرعية من العاصمة اليمنية صنعاء، لكن هناك مساعٍ لعدم هزيمة الزيود في عقر دارهم.

 

البحث عن حليف وفي

وعلى الجانب الآخر، تأتي المباحثات اليمنية السعودية اليوم، في ظل متغيرات طرأت في المنطقة، ومنها الانسحاب الروسي من سوريا، وانهزام طهران والقوى المتحالفة معها في ظل تصاعد الموقف العربي تجاه قضايا العرب، واقترابهم (أي العرب) من حل مشاكلهم العالقة في أكثر من بلد وقطر عربي بأنفسهم.

 

لكن السعودية التي تبحث السلام مع الحوثيين لا يمكن لها أن تحصل على حليف استراتيجي وفي في شمال اليمن، فتاريخ علاقة السعودية بالقوى اليمنية في الشمال، غير صادقة من الجانب اليمني، رغم العطاء السخي من قبل المملكة لمشايخ الشمال الزيدي.

 

ولن يكون إحلال السلام وإنهاء الحرب كافياً، دون إيجاد حلول للمشاكل العالقة، ومن بينها قضية اليمن الجنوبي، وكذلك المشاكل الداخلية في اليمن الشمالي ذاته، وأبرزها التمييز المناطقي والعرقي ضد بعض سكان المدن اليمنية كتهامة وريمة وتعز، التي ينظر لها الشمال الزيدي بأنها مجتمعات من الدرجة الثالثة، كما يقول سياسيون.

 

ويؤكد الكثير من الساسة السعوديين أنه لا يمكن الثقة مطلقاً بحليف يكون طرفه أي من جماعة الحوثي أو المخلوع صالح أو جماعة الإخوان، وخصوصاً الجماعة الأخيرة التي صنفت في العام 2013 من قبل دول الخليج كجماعة إرهابية، عقب هجوم إعلامي لإخوان اليمن على المملكة، على خلفية دعمها للانتفاضة ضد حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.

 

فإحلال السلام ليس كافياً، إذن، كما ترى المملكة العربية السعودية، وهو ما يؤشر إلى أن الرياض تفكر بإيجاد حليف استراتيجي وقوي، أقوى من القوى الزيدية، مع إبقاء بعض الامتيازات التي تمنحها الرياض منذ عقود لمشايخ القبائل والعشائر في شمال صنعاء.

 

وربما تبدأ السعودية بالتفكير جدياً في دعم إقامة حكم ذاتي لجنوب اليمن، أو دعم حق الجنوب في الاستقلال الذي ينادي به غالبية السكان منذ ربع قرن، عقب فشل الاتحاد مع صالح، واجتياح نظام المخلوع البلاد في مناسبتين كانت آخرهما حرب 2015، التي استجابت فيها الرياض لطلب من الحكومة الشرعية بالتدخل العسكري. وما يعزز ذلك الطرح أن السعودية قد تحصل على الكثير من الامتيازات في حال دعمت جهود استقلال الجنوب، من بينها إيجاد منفذ عبر البحر العربي.

 

*- موقع 24 الاماراتي