من عجائب اليمن العجيب أن تنفجر قنبلة خبرية دخانية أحدثت نوبات من الهذيان، فـ "لواء العمالقة"، الشرعي، كان رابضاً في جغرافيا يسيطر عليها "أنصار الله" الحوثيون وفي عقر سلطانهم وتحت أعينهم وفي ملكوتهم وعلى مرمى من صرختهم!!!.
الحقيقة أن أي قارئ ومتابع سيصاب بإحدى حميات الذهول، وكم من حميات في اليمن تصيب المخ والأعصاب تحتاج إلى تماسك إنساني متين ومناعة فائقة التقنية والتوازن. هذا اليمن يتحدى منطق العالم دائماً ويظهر عليه، وأجزم أن مندوب الأمين العام ولد الشيخ سيذهب إلى تقاعد مبكر، وإن طال الأمر سيتحول مع الوقت إلى راقص في حفلات الزار ضمن جوقة مسجاة بأغطية صوفية بيضاء وصوته يتدفق بإيقاع لا إرادي "الله حي الله حي" منعطفاً يمنة ويسرة ويرى القارات الست من حوله مجرد دخاخين من البخور البلدي.
لم يشرح لنا أحد عن جنود العمالقة، وهم افتراضاً نُخَب منتقاة من "ذوي الأجسام الضخمة بالمعايير اليمنية" والمعدات الكبيرة الهائلة والأعداد الكثيرة والقدرات الاستثنائية، كيف تدحرجت حروب عمران وصنعاء من أمامهم وعاشوا بعدها عام من العزلة محاطين ومسوَّرين بغابة من المليشيات القبلية والجيوش المعادية، وكيف مرت عليهم ليال وأيام وتناوبت على محياهم شموس وأقمار، وعاشوا في جوار حميمي مسالم مع أعدائهم، حتى أتت عليهم ليلة ليلاء فداهمتهم مجموعات من الجن وانتهى أمرهم تاركين خلفهم موسوعات من الحيرة!!! .
عرفنا من التاريخ أن العماليق إيحاء توراتي يدل على بعض القبائل الكنعانية والأمورية والعربية، ولهم أوصاف تنم عن قوامهم الشاهق العالي وقواهم الجسدية المتينة، ومع ذلك لم تترك وصوفهم الأسطورية نسبة من الدهشة مثلما تركه عماليق عمران اليمانية في القرن الواحد والعشرين وفي ربيع النكد العربي.
مفاجأة ستجر معها مفاجآت ويبدو أن وفد الشرعية إلى مشاورات الكويت سيواجه كهرباء عالية الضغط على جرعات تتنفس في شرايينه وتغيّبه عن منطق المسار التفاوضي الذي بناه في مخيلته وفقا لحسابات رياضية ابتدائية، أمام شباب لا يمتلكون افتراضاً أي قدرات سياسية أو تفاوضية ولكنهم مرتبطون، عبر مكوكيات الهدهد، الذي ينقل لهم الاخبار من ذوي القناعات الفولاذية بانهم أصحاب الحق المقدس والمُلك وبأن العهد عهدهم، فهم ولاة الأمر الواقع وما سواهم مجرد سواقط من زمن مظلوميتهم.
ويمكنهم مع الوقت والشد والجذب والمماطلة أن يوصّلوا بطريقة غير مباشرة رسالة إلى العالم مفادها: أنه لا مناص من مشاركة أطراف خارجية وجرّها إلى دائرة التأثير المباشر والعلني على مسار المفاوضات، تماماً كما هو الحال في الملف السوري، وبذلك يخرج ملف اليمن من يد التحالف، وهذه هي الثمرة الكبرى التي ينتظرون قطافها.
لا أحد يعلم مدى يقين دول الخليج بأن مشاورات الكويت يجب أن تقود إلى سلام عادل، مع أن المؤشرات تدل على جدية وحرص تلك الدول على إنجاحها دون تصور حقيقي لما سيكون عليه اليمن بعدها خاصة أنه مهما حصل من اتفاق (إن حصل) فلن تكون هناك أي ضمانات، كالعادة، بعدما أصبحت قرارات المجتمع الدولي قابلة للمراجعة.. وأي عاقل في الدنيا يفهم بأن المرجعيات أنشودة يمكن تلحينها وفق مقامات مختلفة، فالعالم الغربي كما ظهر لا تهمه الحرفية في قرارات مجلس الأمن، وأن أولوياته الملحة سواء في اليمن أو غيرها تكمن في أمر واحد إسمه "الحرب على الارهاب".
لا يستطيع أحد ان يتصور السلام في ظل هيمنة عسكرية شبه كاملة لانصار الله وصالح على اليمن (الشمال)، مثلما لا يستطيع أحد أن يتصور كيف يتم الاستقرار في المنطقة دون حلول استراتيجية تتجاوز المرجعيات والمقاربات السريعة المسكّنة.
عماليق عمران فصل مدهش من مسيرة طويلة قادمة وكما يبدو بأن القوة على الأرض هي من تليّن "البند السابع" وليس العكس، فهل يعتبر الناس أخيراً؟.
*- بقلم د أحمد علي عبداللاه – خبير نفطي – كاليجاري كندا