السباق نحو الدولة الجنوبية ووحدة تلفظ أنفاسها

2025-12-11 19:17

 

في هذه السطور محاولة متواضعة لتقديم قراءة تحليلية في ضوء التطورات الميدانية والسياسية المتسارعة على الساحة الجنوبية. فمع اقتراب الصراع العسكري الجنوبي – اليمني من عامه الحادي عشر، يتجدد السؤال الذي ظلّ حاضرًا منذ 2015: هل ما يزال مشروع الوحدة قابلًا للإنقاذ، أم أن الجنوب يقترب بخطوات سريعة من استعادة دولته؟ التطورات الميدانية والسياسية التي برزت بقوة في ديسمبر 2025 ترجّح كفّة المشروع الجنوبي بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي مقابل تراجع واضح لمنظومة اليمن (الشمال) والسلطة الشرعية الممزقة.

 

على الأرض، يحقّق المجلس الانتقالي قفزات غير مسبوقة في الجنوب، ففي عملية عسكرية خاطفة بدأت مطلع ديسمبر 2025، بسطت القوات الجنوبية سيطرتها على كامل محافظات الجنوب، بما في ذلك وادي حضرموت والمهرة وأطراف شبوة. وتمكّن الانتقالي من دخول سيئون، أحد أهم المراكز الإدارية والعسكرية في حضرموت، والسيطرة على حقول النفط الاستراتيجية في المسيلة وحقل العقلة في شبوة، إلى جانب المهرة الحدودية.

 

هذا التمدد الجغرافي، المقرون برفع راية الجنوب على المباني الحكومية، منح الانتقالي سلطة فعلية على محافظات الجنوب الغنية بالموارد النفطية والغازية، وبمنافذ برية وبحرية تمثل شرايين اقتصادية حيوية. وبهذه المعطيات، يتحول الجنوب شيئًا فشيئًا إلى كيان شبه دولة يمتلك مؤسسات أمنية وإدارية واقتصادية مستقرة، خصوصًا في عدن وحضرموت.

 

في المقابل، يعيش اليمن (الشمال) حالة تفكك شديدة، فالحوثيون يسيطرون على صنعاء ومحيطها بقوة السلاح، بينما تتوزع سلطة الحكومة الشرعية بين مأرب (إخوان وقاعدة) وتعز (قوات متفلَّتة) والساحل الغربي، في ظل صراعات فصائلية داخلية وتنافس بين جماعات مسلحة تحتفظ بترسانات مستقلة وولاءات غير متجانسة. وبذلك أصبحت خريطة اليمن (الشمال) أقرب إلى دويلات صغيرة متجاورة لا يجمعها مشروع وطني موحد.

 

على الصعيد السياسي، تتسم ردود الفعل الإقليمية والدولية بالبراغماتية. فدول التحالف العربي، التي كانت تعترض لفظيًا على تمدد الانتقالي في 2019، اكتفت اليوم بصمت حذر وتحركات لاحتواء الموقف دون الدخول في مواجهة علنية، ما يعكس عمليًا تفويضًا غير معلن بترتيب الجنوب لضمان الاستقرار الحدودي وتركيز الجهود ضد الحوثيين.

 

وفي اجتماع رشاد العليمي مع سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يوم 8 ديسمبر الماضي، لم تُسجّل مواقف واضحة ترفض تحركات الانتقالي، بل تم التأكيد على خفض التصعيد والحفاظ على تماسك التحالف، في خطاب بدا أقرب دبلوماسيًا إلى "إدارة الأزمة" منه إلى محاولة رفض الواقع على الأرض. هذا التجاهل الأممي الممنهج، أو القبول الصامت، ينسجم مع الرؤية الغربية للجنوب باعتباره موطئ استقرار نسبي قادرًا على مكافحة الإرهاب وحماية طرق الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

 

بالمقابل، تزداد أصوات دولية ترى في حل الدولتين خيارًا واقعيًا يمنع الانهيار الشامل في اليمن (الشمال) ويعالج الفجوة السياسية والاجتماعية بين الأطراف المتنازعة في صنعاء ومأرب وتعز والمخا والشرعية.

 

من هنا، يمكن القول إن الجنوب يتقدم في السباق نحو الدولة.. ومشروع الوحدة يتراجع. فكل المؤشرات الميدانية والسياسية توضح بجلاء أن الجنوب يسير بخطوات حثيثة نحو استعادة دولته، مستفيدًا من قوة عسكرية متماسكة، وموارد اقتصادية أصبحت تحت السيطرة، ودعم إقليمي واضح وإن اتخذ طابعًا غير معلن، إضافة إلى قبول دولي متنامٍ بالأمر الواقع.

 

في المقابل، تبدو فكرة بقاء مشروع الوحدة أبعد من أي وقت مضى في ظل التفكك اليمني (الشمالي) وغياب سلطة شرعية قادرة على إعادة بناء مؤسسات الدولة. ومع ذلك، يبقى الطريق نحو الدولة الجنوبية بحاجة إلى الكثير من الجهد، بما يستوجب اتخاذ المجلس الانتقالي إجراءات وحوارات جادة مع شركائه في الجنوب، وإن كان تأثيرهم ليس كبيرًا.

 

وإذا استمر المسار الجنوبي الحالي بالوتيرة ذاتها، فإن إعلان دولة جنوبية بحكم الأمر الواقع قد لا يكون مجرد احتمال سياسي، بل نتيجة طبيعية لمعطيات تتبلور تدريجيًا على الأرض وفي مراكز القرار الدولية.