دور الحضارم في مقتل القنصل الفرنسي في مدينة جدة
شبوة برس - جدة - متابعات
حادثة القتل لم تحصل اليوم , بل منذ حوالي 155 عاما في مدينة جدة كما جاء سياق مقال كتبه منذ سنوات الكاتب والمثقف السعودي ,جميل محمد علي فارسي, ونشرته - شبوة برس - في إصدارها السابق قبل أن تدمره أجهزة الامن اليمنية في مايو 2009 .
لقيمة المقال وما فيه من إنصاف للحضارم ودورهم العظيم في تاريخ الحجاز وقدم وجودهم على ارضة استحسنت شبوة برس اعادة نشر المقال:
بل أنعم بالحضارم وأكرم.. ولله در الحجاز ,
ما إن أذيعت الحلقات التسجيلية الخاصة بالحضارم علي قناة العربية إلا ودار السجال عنهم بين مؤيد ومعارض ومنتقد وناصح.
ومن الطبيعي القول أنه لا يمكن التعميم المطلق علي أمة أو جنس بشري أو عرق. كما أنه لا توجد أحكام عامة تطلق علي مجموعة من الناس دون أن يكون لها استثناءات هنا أو هناك. إلا أني أقول وبدرجة عالية من الثقة أنعم بالحضارم وأكرم.
أني لأتعجب من البعض منا حيث نصر على تقسيم المجتمع، ثم بعد تقسيمه نصر على تصنيفه، وبعد تصنيفه نبحث عن عيوب كل صنف، كأنما الله تعبدنا باستخراج العيوب والمثالب لبعضنا البعض.
أزعجني مما سمعت من التعليقات علي تلك الحلقات اتهامهم بالغنى.
إن جمع المال ليس عيباً بل طريقة جمعه يمكن أن يلحقها العيب,وكمُ المال ليس عيباً بل في مصدره قد يكون العيب.
جمع الحضارم ثروتهم من التجارة فلا تسمع أن أحداً من الحضارم قد ولغ في المال العام, إلا في أحداث نادرة تجد أن أحدهم ركب في مركب أحد الفاسدين المفسدين .
يقول البعض أن الحضارم جمعوا ثروتهم (من) هذا البلد أو ذاك وأقول بل جمعوا ثروتهم (في) هذا البلد أو ذاك، والفرق بين (من) و(في) هو الفرق بين المال العام والمال الخاص, وهو الفرق بين هل عملوا فجمعوه أو فسدوا فحصلوه.
جمعهم للمال يتميز بصبر شديد فلا يؤمنون بالخطفات أو الشرهات أو الهبشات, بل يجمعوه قطرات فوق قطرات.
لم يجمعوه من التجارة فقط بل من الجدية والأمانة في التجارة, وهنا يكمن الفرق.
لم يبرعوا في التجارة إلا بتربية قاسيه لأبنائهم, فحين أهتم معظم الناس بالمظاهر والمفاخرة اهتموا هم بالصبر والمثابرة.
المفاخرة ليست في قاموسهم, إن كان أحد منهم بدأ حياته صبياً في الحجاز في منزل أو دكان فلن يتردد أن يذكر ذلك في حديثه.
بل وناسباً المرؤه والفضل لرب عمله السابق إن كان كذلك.
و أنت حين تكون تاجراً وتتعامل مع أحد التجار فانك تبحث عن أمانته ولا يهمك أين ولد أبوه.
سكنوا الحجاز,ولله در الحجاز ولله در أهل الحجاز, لا تنتابهم حساسية الأغراب، تفتح قلوبهم قبل أن تفتح الأبواب.
وجود الحرمين به فتح قلوب وعقول أهله لكل العالم الإسلامي.
علم الله أن أفئدة من الناس ستأوي إليهم فملأ أفئدتهم حباً لكل البشر وأزال ما فيها من وحشة للغريب, وهذه حكمة الله في عبقرية هذا المكان، لله در الحجاز.
ليس هذا وحسب بل الحضارم ليسوا طارئين على الحجاز، فهم في جدة أقدم من كثير ممن قدم عليها من مناطق أخرى من المملكة بعد توحيدها.
فكثير من الرحالة المستشرقين نسبوا لهم فضل التجارة في جدة منذ قرون.
إقرأ مذكرات ريتشارد بوركهارت أو كريستيان نيبور ثم انظر لحادثة قتل القنصل الفرنسي في 15 يونيه 1858م فقد انتهت بمحاكمة المتهمين ومنهم المحتسب باديب وكبير الحضارم العامودي وكبير التجار باناجه ومعهم باعشن ونقيب السادات باهارون.
أليست كل هذه الأسماء حضارم؟.
إن كل تفصيلات هذا الحادث موجودة في المضبطة السنوية للدولة العثمانية. والموثق كتابة أقوى من الرويات الشفهية.
من ضمن السجال من أنتقدهم لأن تبرعاتهم كثيراً ما تذهب إلي تريم وحضرموت. وأني لأتعجب لم تنتاب البعض منا الشجاعة في انتقاد تبرعاتهم إذا ذهبت إلى المسلمين في حضرموت التي ترفل في الفقر ونجبن أمام التبرعات التي تذهب إلي حديقة حيوان في الغرب أو إلي الجامعات الأمريكية والمؤسسات الغربية، فهذه نصاب أمامها إما بالصمت أو بديباجات الإعجاب وتسبيبات الأسباب.
لماذا يختلف تقيمنا للفعل أن اختلف الفاعل؟.
* بقلم: جميل محمد علي فارسي مثقف سعودي
* هذا الموضوع كتب ونشر قبل خمسة اعوام بالوفاء والتمام ولقيمته وانصافه إرتيئنا إعادة نشره مرة أخرى .