ليس ثمة اليوم ما هو اهم من الحديث حول جملة التحولات السياسية والعسكرية المتسارعة في هذا البلد وما ترتب على تلك التحولات الفجائية من نتائج سلبية رهيبة على صعيد الاقتصاد والصحة ومتطلبات الحياة المختلفة الاخرى، ولا جرم ان يطول حديثنا ويتشعب بقدر طول المعاناة وتشعباتها الشائكة على امتداد كل هذه الفترة الزمنية الطويلة التي امتدت بمساوئها من مطلع العام 2015 م الى يومنا هذا، حتى وصل الامر هنا الى الخلط بين الكثير من المفاهيم الوطنية والتقليدية الراسخة مع تصاعد حدة التباينات والارهاصات وخلق حالة ملتبسة غامضة ترافقها مخاوف وبوادر غلق لافته، خاصة مع بروز كيانات متباينة منتظمة وغير منتظة منها ما هو عسكري ومدني تنمو فيها نزعات سلبية كبيرة ومع تعدد الولاءات والتوجهات بات من الطبيعي ان تكون هدفا للاختراق والاستدراج الرامي الى حرفها عن واجباتها الوطنية والمهنية وبالتالي جرها الى صراعات تافهة لا طائل منها.
حتى نسطيع تشخيص القضية هنا يجب ان نقر حقيقة بأننا وطن محتل، وهذا الإقرار يفتح أمامنا افقا واسعا امام متطلبات هذه القضية المعقدة بفعل القفزات الارتجالية والسلوك الصبياني الطائش، لأننا ان لم ندرك حقيقة قضيتنا ومسبباتها وكل تداعيات مراحل الاخفاق والفشل، فاننا حتما لن نتمكن من ايجاد السبل الكفيلة للملمة كل الجراج المفتوحة في هذا الجسد الجنوبي المنهك من وجع الطعنات المتوالية.
وبعيدا عن وقائع التاريخ وأحداثة وتقلباته العجيبة، لقد أكدت الحرب الأخيرة التي شنها الحوثيون وأتباع المخلوع وحلفائهم التاريخيون من المتلونين والمجاهرين، أكدت بما لا يدع مجالا للشك ان الحرب كانت موجهة ضد الجنوب الوطن والانسان ليس الا ، وهي أي هذه الحرب لم تأتي بمجرد صعود الحوثيين الى رأس سلطة النفوذ وصناعة القرار فجأة ومن دون أي ترتيب أو تفاهمات، بعد مؤتمر الحوار التمثيلي في موفمبيك أذعن الشماليون لضغوط دولية كبيرة مورست عليهم لاجراء حوار وطني طبقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، برزت القضية الجنوبية ولو بالشكل الذي اراده الشماليون الى السطح لتضعهم أي الشماليون أم خيار تفتيت اليمن الى ست دويلات فقط حسب اجماعهم كقوى نافذة ومسيطرة، وبعد ان ادركوا خطورة هذا الخيار الكارثي أوعزوا الى جماعة الكهوف بشن الحرب الثانية على الجنوب ولكن بوجوه جديدة ظهرت الى العلن.
هنا لا بد من الاشارة الى ان الحراك الجنوبي السلمي الممتد من بدايات العام 2006 م الى ما قبل الحرب الظالمة في مطلع مارس 2015 المشئوم ، كان أي الحراك السلمي قد خلق ارضية صلبة لقضيتنا وكرس ذلك بنضال عظيم وتضحيات جسيمة، كان مفهوم القمع والوحشية هو المفهوم الطاغ على سلوك الغزاة وتفكيرهم ، لم تتوانى تلك الآليات العسكرية والرشاشات ووسائل الموت المختلفة ان تريق برك من الدماء وتزهق الارواح المسالمة البريئة إلا لأنها قوة احتلال همجية عابثة بكرامة الانسان ووجوده
أصبح الرئيس جنوبيا بقدرة قادر لم يكن بمقدور تلك القوى الهائجة المائجة تحمل فكرة ان يكون الأمر والنهي لرجل جنوبي ولا ان تؤول السلطة والقوة والمال والنفوذ الى غير اصحابها ، انها أمور غريبة معيبة ومخلة بتقاليد وإرث الآباء والأجداد ، كان لابد من ان يجرد الرئيس من جميع الصلاحيات وان توضع كل العراقيل امامه لكي يظل عاجزا مستسلما – ما أشبه الليلة بالبارحة !- والحق يقال لم يكن ليرضخ الرئيس هادي حينها لتوجهاتهم تلك، لم يتوقفوا عن أي مسعى ولن يظلوا ينتظروا الاوامر لتأتيهم من جنوبي بلا قوة ولا نفوذ، فدفعوه للاستقالة فاستقال .. فحبسوه .!
أصبح الجنوب جسدا واحدا صلبا قويا برغم كل المتاعب والكبوات ، أصبح أما خيار واحد فقط ، لقد كان الشعب الجنوبي أن ينتصر في حرب لم تكن عابرة ولا من قبيل الصدفة ، انها حرب الشمال على الجنوب شئنا ذلك أم أبينا، ويقينا أننا انتصرنا لأننا كنا جسدا واحدا كالبنيان المرصوص انتصرنا لأن العدو لا يفرق بيننا في القتل والبطش والدمار، انتصرنا لاننا جميعا اصبحنا في وطننا غرباء، فلا طاقة لعدو ولا قدرة له ما دمنا يدا واحدة لم تفرقنا دسائس الأعداء لتسرق منا غدا انتصارنا العظيم.
*- من : جلال السعيدي - عدن