وهم الوحدة وحلم الانفصال.. اليمن إلى أين؟! .. بين الانفصال والوحدة والأقاليم (تقرير)

2017-11-21 13:41
وهم الوحدة وحلم الانفصال.. اليمن إلى أين؟! .. بين الانفصال والوحدة والأقاليم (تقرير)
شبوه برس - خاص - عدن

 

لمن الغلبة؟

ماهو مستقبل اليمن بعد عاصفة الحزم؟ مَنْ سينتصرُ بعد العاصفة، الوحدة أم الانفصال أم الأقاليم أم الصوملة؟

وكيف سيقررُ الجنوبيون مصيرَهم ويحققون تطلعاتِ ثورتهم في ظل عاصفةٍ لا تعترفُ بالجنوب الإ في إطار وحدة 22 مايو؟ وكيف سيحافظُ الشماليون المتشددون على وحدة 7 يوليو لإبقاءِ الجنوب مرتعاً للفيد والغنيمة؟ هل سيطالب الشماليون بالانفصال إن أمسك الجنوبيون بتلابيب الحكم ونُقلتْ العاصمةُ والبنك المركزي والبرلمان والوزارات ومؤسسات الحكم إلى عدن وأُقصي الشماليون من مناصبهم وأصبحتْ صنعاءُ قريةً خاوية على عروشها؟

 

الواضح حتى الآن أن المرجعياتِ الثلاث التي بُنيتْ أساساً على المبادرة الخليجية لم تقدّمْ أجاباتٍ حقيقيةً وناجعة ومنصفة لتلك الأسئلة ولم تؤسسْ لأية توجهات نحو حل القضايا اليمنية الشائكة وفق منهجٍ سياسي ينظر لتعقيدات الأزمة ببُعد استراتيجي؛ فاكتفتْ باللعب على التكتيك وخلق التحالفات وتغذية الصراع الطائفي والقبلي وتفتيت أسس النظام السياسي اليمني وإضعافه وتشتيت أحزابه ومكوناته كدعم السلفيين والإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة (الإصلاح) ضد جماعة الحوثي وضد تكوينات الجنوب السياسية والعسكرية لمحاولة خلق توازنات بين أطراف الصراع القائم وصنع قوى جديدة وإقحامها في معمعان الصراع كالعمل المستمر على خلق تشكيلات عسكرية غير نظامية ومليشات متعددة الولاءات في الجنوب.. كل هذه التكتيكات القاصرة والإدارة الخاطئة لمسارح العمليات العسكرية والمسارات السياسية في الشمال والجنوب مضافاً إليها تفريخ المكونات السياسية وتشتيت الجهود الثورية لن تؤديَ بأي حالٍ من الأحوال إلى هدفٍ استراتيجي يخرج اليمنيين من أزمتهم ويحلّ قضاياهم سواءً بالانفصال أو الوحدة أو الأقاليم.

 

*مفاهيم خاطئة

إبعادُ القضيةِ الجنوبية، وحرفُها عن مسارها الحقيقي ونقطة ظهورها في العام 94م باجتياح القوات الشمالية عدن وإنهاء مشروع الوحدة وتحويله إلى احتلال عسكري سافر وفرض أمر واقع بالقوة أنتج لاحقا أزمات متتالية وقضايا متعددة في الشمال والجنوب، هو الخطأ الأكبر الذي يقع فيه أي تناولٍ علمي ومنهجي يسعى إلى حل أزمة اليمن وإخراجه من محنته، بل إن غيابَ هذه الفرضيّة (الوحدة والحرب والاحتلال) من أي عملٍ بحثي يتناول مشكلات اليمن من العام 90م حتى بدء عمليات عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 وما قابلها من فشل تحقيق أهدافها في الشمال ونجاح في الجنوب يقتضي بالضرورة أن تكونَ النتائجُ خاطئةً والتوصيات والحلول غيرَ موفقة ولن تكونَ مقبولةً لاسيما حين تتعلق بمصير شعب أو تمسّ سيادة جغرافيا مازال أبناؤها متمسكين بالسيادة عليها ويرفضون الوصايةَ وما تأتي به مشاريعُ الضم والإلحاق وسلب الإرادة.

 

مؤتمرُ الحوار الوطني كان موفقاً في توصيف القضية الجنوبية بأنها القضية “المركزية والأساسية في مشكلات اليمن” وضرورة أن تُحلَّ حلاً عادلاً يرضي أبناء الجنوب، لكن هذا التوصيف - وهو الفرضية الأساسية لبحث الحلول والمعالجات - لم يكنْ آتيا من قناعاتٍ شمالية أو نابعا من مسؤولية وطنية تجاه اليمن والجنوب بقدر ما كان مصيدةً لاستدراجِ أطراف جنوبية تكون بمثابة “المحلل” لجلسات الحوار ووثائقه وبالتالي تشرعنُ لمخرجاته، ومع هذا وبعد كل ذلك الانتقاص لتمثيل حقيقي للجنوبيين ومطالب الثورة السلمية حينها إلا أن الحوار اصطدم بفريق القضية الجنوبية وطرحه وعجز المتحاورون ومن في السلطة حتى عن تنفيذ النقاط العشرين والنقاط الإحدى عشر التي كان مقرراً أن تمهّدَ لحل قضية الجنوب، ما يعني ذلك أن النظام اليمني، الذي تستأثرُ به القوى التقليدية والمتحالفة ضد الجنوب في حرب 94م، تدركُ تماما المفهوم الحقيقي للمشكلة السياسية باليمن وتعي حجم الجنوب وحقه المشروع بيد أنها لا تريدُ أن تتعاطى مع هذا الحق بأي شكل من أشكال التعاطي السياسي.

 

*توجهات جديدة

مشروعُ الأقاليم الستة - الذي لم يطرح أو يناقش في مؤتمر الحوار- وبالتالي فهو ليس من مخرجات الحوار الوطني، و الذي لاتزالُ الشرعيةُ اليمنية تحاول تمريره دون توافق الأطراف رُفِض من الشماليين أنفسهم قبل أن يرفضه الجنوبيون، بمعنى أن هذا المشروع رُفض قبل الحرب وتحت مبررات رفضه أسقط الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء وتحالفوا مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي وجد في هذه الجماعة المذهبية ضالته للعودة إلى السلطة فاستخدمهم جسرَ عبور لإعادة غزو الجنوب والاستقواء مجدداً من عدن، لهذا فمشروع الأقاليم الستة بات وفقا لمتغيرات ما بعد إسقاط صنعاء وغزو عدن والانقلاب على المبادرة الخليجية وشرعية هادي بات في حكم المنعدم ولحق الوحدة اليمنية (الطوعية) في الوفاة والرحيل إلى بئس المصير، لتبرزَ بعد ذلك توجهاتٌ لمحاولة ترقيع مشروع الدولة الاتحادية وإذكاء منهجيته في التعاطي مع القضية والجنوبية، كطرح فكرة الثلاثة أقاليم باعتبار الجنوب إقليما مستقلا لقوى الحراك الجنوبي ومكوناته كافة، صنعاء ومناطق شمال الشمال أقليم ثانٍ من نصيب أنصار الله (الحوثيين) وحليفهم صالح، فيما يشكل الإقليم الثالث مناطق الوسط وتشمل محافظات الجوف ومأرب والبيضاء وتعز وإب والحديدة، وهي مايسميه الدبلوماسيون الغربيون اليوم بـ(الهلال السني في اليمن الشمالي)، ليكون من نصيب المنضويين اليوم في إطار الشرعية التي ترفض الانقلاب وتأبى الانفصال وتتخذ موقفا مغايرا ومعاديا لتوجّهات الحوثيين والانفصاليين، ويأتي في طليعتها التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب الإسلام السياسي كحركة النهضة واتحاد الرشاد وغيرهما من الأحزاب المتأسلمة التي ربما فرّخها الإصلاح لهذا الغرض.

 

هذا التوجّه الذي تروّجُ له الشرعية اليمنية وتحديداً الطرف النافذ فيها وهو “الإخوان المسلمين” ممثلاً بنائب الرئيس علي محسن الأحمر لم يكنْ ليدفع به إلى الواجهة لولا المتغيرات الحاصلة على الأرض أثناء العمليات العسكرية لعاصفة الحزم وتباين نتائجها بين الجنوب والشمال، ولم تكن لتُطرح لولا إدراكُ القوى اليمنية الشمالية للشوط الذي قطعه الجنوب في مسيرته نحو الاستقلال، ولم يكن ليُسرّب لولا مخاوف تلك الأطراف اليمنية من مواقفَ مفاجئةٍ قد تظهرها دول التحالف مع الوحدة والتعاطي الإيجابي مع مشروع الانفصال وإعادة الدولتين.. ومع ذلك لا يخلو هذا الطرح الشمالي البحت من المكر والخديعة لإبقاء نفوذهم وسطوتهم على الجنوب، فهم مراهنون على الحكومة المركزية وصلاحياتها وتواجدهم فيها باعتبارهم أقليمين والجنوب إقليما واحدا، ثم على الدستور الاتحادي وكيف سيوزع السلطة والثروة وبناء الجيش والأمن والمؤسسات السيادية، وهي نصوصُ وضعية وتشريعات سيكتبها اليمنيون أنفسهم ومن الطبيعي تطويعها لسطوة المركزية بمسميات جديدة وزائفة ستؤسس لا محالة لمزيد من الصراعات الدموية في اليمن لاسيما بين الشمال والجنوب، ناهيك عن أن الدستور الجديد يتعارض مع مخرجات الحوار الوطني في كثير من الأساسيات والجزئيات، وبما يتضمنه من نصوص غير قابلة للتطبيق على الواقع الذي أفرزته متغيرات الحرب ونتائجها شمالا وجنوبا.. وبين كل هذه المشاريع والاتجاهات المطروحة للحل يتضور اليمنيون جوعا ويزداد الوضع الإنساني سوءا وتدهورا وأصبح نحو عشرين مليون يمني محتاجين لإغاثة ومساعدات إنسانية ونحو مليوني طفل يعانون سوء تغذية حاد.

 

*دور الإمارات

جنوبا.. أفرزت عاصفة الحزم متغيراتٍ جذريةَ لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، فالأرض تحررت بسواعد أبنائها الذين باركوا العاصفة وكانوا جنودا ووقودا لها في الجنوب والشمال على سبيل التحالف مع مُنقذ جاء ليعبروا من خلاله عن تطلعاتهم نحو الاستقلال، فكان للتحالف العربي ودولة الإمارات العربية المتحدة تحديدا الدور الأبرز في تحرير الجنوب وبدء إعادة بناء مؤسساته العسكرية والأمنية والمدنية، غير أن أهداف العاصفة وما يقتضيه الدفاع المشترك في إطار الاتحاد الكونفدرالي الخليجي (مجلس التعاون) يحد من أي تعاطٍ للإمارات مع استقلال الجنوب مضافا إليه نفوذ المملكة العربية السعودية على دول المجلس التي تعكس اليوم عداءها القديم مع النظام الاشتراكي في الجنوب على مشروع الاستقلال وعلى جنوب اليوم الذي بات منزهاً من اشتراكية الرفاق وعدائهم للأنظمة الخليجية.. بمعنى أن الإمارات لا تدعم الانفصال بالمعنى الذي يصفه ويروّج له أعداء العاصفة، وتواجد قواتها في الجنوب هو في إطار أهداف التحالف العربي، أو بمثابة قوات “حفظ سلام” جاءت في وضعٍ استثنائي لحماية شعب الجنوب الأعزل من آلة القمع اليمنية وتحريره من أسوأ احتلالين عرفتهما المنطقة العربية، وهما احتلال 94م واحتلال 2015م، وبالتالي فإن الإمارات العربية مطلوبٌ منها اليوم أن تحافظَ على ما حققته في الجنوب وأن تحافظ على مصالحها في هذه المنطقة المهمة، ومصلحة الإمارات تكمن دون أدنى شك في بقاء الجنوب بأيدي الجنوبيين وتحت حكمهم بأي شكل من أشكال السيادة.

 

كل تلك الأحداث والتداخلات في الجنوب هي متغيرات أوجدتها عاصفة الحزم وما ترتب عليها من انتصارات للإرادة الشعبية في عدن، وبالتالي فإن مشاريعَ الأقلمة التي تنتقص من حق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية هي بالمحصلة مشاريعُ فاشلةٌ وإن فُرضتْ بالقوة لفترة من الزمن.

 

وعليه فإنه لم يعد للوحدة السياسية بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي من توصيفٍ غير أنها انتهت بكل أشكالها وباتت كابوساً يؤرق مضاجع اليمنيين شمالا وجنوبا، ولم يعد لهذا المشروع أية قيمة سوى الاعتراف بفشله والنأي عن محاولات ترقيعه وإطالة الأزمات وتوسيع دائرة الصراع والتأسيس لمستقبل جنوبي شمالي قاتم.

*- وهيب الحاجب – شبوه برس – الأيام