استقرار المنطقة من باب الجنوب وليس اليمن

2018-07-30 07:23

 

التحالف العربي في اليمن , الذي تقوده السعودية والإمارات , لأكثر من ثلاث سنوات يخوض حربا كبيرة وثقيلة مع جيش عفاش ومليشيات الحوثي وشبكة القاعدة و خلال هذا الوقت , أصبحت قوات التحالف أحد عناصر بنية سياسية إقليمية معقدة في اليمن وفي الثلاث سنوات من الحرب, تغيرت كثير من المعايير والقواعد والعوامل والمتطلبات الأساسية اللازمة لإنهاء الحرب , لدرجة أن تسوية النزاع في اليمن , يمكن أن يصبح نموذجًا لحل الأزمات الأخرى في المنطقة , كما أن إحدى السمات المهمة لهذا الصراع الدامي , تكمن في انتشار رقعة الكارثة الإنسانية وحقيقة أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة , اللتان تشكلان أساس هذا الائتلاف العسكري , الذي يقاتل بشكل صارم الحوثيين وأنصارهم , قدمتا مساعدات إنسانية , غذائية ,وطبية, ومالية واسعة النطاق للسكان في اليمن.

 

إن تسوية الصراع في اليمن يمكن أن يصبح نموذجًا لحل الصراعات في الشرق الأوسط وسيساعد على تطبيع الوضع في المنطقة برمتها ويكون عاملاً يساهم في الاستقرار الإقليمي والدولي , والى يومنا هذا تحاول الأمم المتحدة أن تلعب دورا مركزيا لتشجيع أطراف الصراع اليمنية لوقف الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى رؤية موحدة على أساس حوار واسع ومناقشة وجهات النظر ومصالح القوى السياسية الرئيسية المحلية والإقليمية من اجل إنهاء الوضع الإنساني الصعب في البلاد و الحالة البائسة للهياكل الأساسية والمطارات والموانئ البحرية والمؤسسات العسكرية والمدنية ومباني ومؤسسات التراث الثقافي والتاريخي , ولكن كل هذا المجهود لوقف الحرب من دون الإشارة إلى احد أهم أسباب الصراع و الأزمات في اليمن ألا وهو الجنوب وشعبه و طرح هذه القضية كأولوية قصوى ضمن نقاط حل الصراع في اليمن سيكون مصيره الفشل .

 

تختلف أزمة اليمن عن الأزمات الأخرى الناجمة عن الربيع العربي من حيث العوامل السياسية والاستحقاقات الشعبية والوطنية , إذ كانت سوريا وليبيا وتونس دولاً مستقرة قبل بدء الثورات , فإن اليمن منذ توحيده عام 1990 , مر بسلسلة كاملة من الصراعات والأزمات السياسية الداخلية , التي تحولت في كثير من الأحيان إلى صراعات مسلحة وكانت أهم أسباب تلك الصراعات هو الجنوب وثرواته , وعدم حل قضيته بشكل عادل يعني استمرار لحالة عدم الاستقرار في البلاد وفي المنطقة بكاملها , لان الجنوب يحتل موقعًا جيوستراتيجيًا هامًا ويمكنه التأثير في وضع مضيق باب المندب والبحر الأحمر والقرن الأفريقي والمحيط الهندي والخليج العربي وشبه الجزيرة العربية , كما أن إهمال حل القضية الجنوبية سيساعد على انتشار الفوضى والتطرف إلى البلدان المجاورة وتحول البلاد إلى مرتع ومصدر للإرهاب , فاليمن منذ حكم عفاش وتجاهله للقضية الجنوبية يعيش أزمات كبرى مثل الفساد و الانهيار الاقتصادي وضعف إدارة الدولة وعدم الاستقرار الداخلي وحرب أهلية في شمال البلاد وتنامي الحركات الإرهابية المتجدد , التي تهدد السلطة الشرعية والاستقرار في المنطقة , فالإرهاب والتطرف في اليمن معروف منذ وقت طويل , إذ شارك عدد كبير من اليمنيين في القتال ضد السوفييت في أفغانستان في الثمانينيات غالبيتهم من الشمال , بحكم أن النظام في الجنوب كان اشتراكي, و في نهاية النزاع انتقل العديد من ما يسمى العرب الأفغان إلى اليمن , بما في ذلك أولئك الذين لم يكونوا يمنيين ولم يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم , استغلهم بعدها الراحل عفاش و الإصلاح والحوثي ضد الجنوبيين .

 

على المجتمع الدولي أن يدخل بوابة حل الصراعات والأزمات في البلاد من البوابة الجنوبية ومساعدة الجنوبيين في استعادت دولتهم وأرضهم وأمنهم بطرق سلمية وهذا حق طبيعي بعد فشل مشروع الوحدة اليمنية ,التي فُرضت بقوة السلاح , فمن خلال هذه البوابة دخل عفاش الجنوب بعد حرب صيف 1994 ولم تستقر إدارته وأحواله السياسية وضعفت سلطته وخرج منها في 2011 , ليأتي بعده ( أخوان اليمن ) حزب الإصلاح ممتطياً جواد الثورة وسلاح الدين لفرض سلطة و واقع جديد على الجنوبيين , لكنه فشل فشلا ذريعا و وتلاشت أحلامه سريعا , بسبب مصالحه الأنانية و ارتباطاته المشبوهة مع قوى على علاقة بالإرهاب , وكراهية غالبية الجنوبيين لهذا الحزب منذ مشاركته مع عفاش في غزو وحكم الجنوب وفتاويه التكفيرية ضدهم , ليأتي بعدهم المغول الجدد ( أنصار ألله ) الحوثيين في 2015 دون الاستفادة من أخطاء سابقيهم ابتداء من الراحل عفاش وحتى الإصلاح ليغرقوا في رمال الجنوب , ومثل عفاش والزنداني , قاموا بحرب جديدة ضد أبناء الجنوب , الأمر الذي أعطى دافع اكبر للجنوبيين بأن يقرروا تحرير أرضهم وتطهيرها والى الأبد من ساسة و نخب وقبائل وشيوخ وعساكر في الشمال دأبت أن ترى في بلدهم الجنوب , مجرد ارض ثروات ضخمة متنوعة , لدى شعب لا يستحقها .