دعوة توكل كرمان إلى العلمانية : ألتباس الحقيقية في ثنايا الخلاعة السياسية!

2018-08-24 16:59
دعوة توكل كرمان إلى العلمانية : ألتباس الحقيقية في ثنايا الخلاعة السياسية!
شبوه برس - خاص - اليمن

 

تجاوز قول الناشطة اليمنية توكل كرمان بأن "دولة علمانية ديمقراطية هي الحل" كل أطروحات ودعوات أقطاب "الشبكة" التي تنتمي إليها كرمان، وأقول الشبكة تمييزاً لها عن "الاتجاه الفكري"، فالأولى تأخذ مستويات مختلفة من التبني ليس الفكري فحسب، ولكن التبني والدعم السياسي، وتبدو كنواة صلبة لنشر وفرض مشروع سياسي.

 

يأتي في قمة الهرم الفكري لهذه الشبكة عبدالوهاب المسيري الذي ميّز بين نوعين من العلمانية: "العلمانية الشاملة" و"العلمانية الجزئية"، رفض الأولى وذمها وأدانها بدعوى أنها ليس فصل الدين عن الدولة فقط، ولكن فصل كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية عن حياة الفرد، بينما الثانية التي أطلق عليها أيضا "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية" لا يرى ـ كمفكر إسلامي، وكما وصف نفسه – "غضاضة في قبولها إن كان يعني بعض الإجراءات السياسية والاقتصادية ذات الطابع الفني، والتي لا تمس من قريب أو من بعيد المرجعية النهائية للمجتمع"، ويقصد هنا المرجعيات الدينية بالطبع. الموجه الثاني في هذه الشبكة هو محمد عابد الجابري، وإن كان يحضر كمرشد فكري مقارنة بالأول الذي كان أكثر التصاقاً بتيار الإسلام السياسي أو آخرين ممن هو أعضاء أصيلين في هذه الشبكة. تصوّر الجابري أن العلمانية كانت آلية لـ"فصل الكنيسة عن الدولة" في الغرب، وبما أن الإسلام لا يوجد فيه كنيسة على طريقة تلك الموجودة في أوروبا، فالمسلمون ليسوا بحاجة سوى إلى الديمقراطية ( والموقف هذا طبيعي جداً في إطار مشروعه الهادف إلى "إصلاح" العقل العربي، والجابري، وفي ظل رؤيته الإصلاحية، كان له دعوى أخرى تمثلت في ضرورة قيام كتلة تاريخية عريضة في سبيل إحداث التغيير السياسي، وأدان بشدة الوطنيّين الليبراليّين والقوميّين والماركسيّين العرب الذي عمدوا إلى إقصاء وتهميش التيّارات الإسلاميّة منذ منتصف العقد الماضي، ودعا في سبيل النضال من أجل التغيير، وبما يناقض متطلبات وشروط أي "تغيير" إلى : الانطلاق من الواقع العربي كما هو والأخذ بعين الاعتبار جميع مكوناته، "العصرية" منها و"التقليدية"، النخب منه وعموم الناس، الأقليات منه والأغلبيات، صفوف العمال وصفوف الطلاب، وقبل ذلك وبعده صفوف المساجد... صفوف المصلين"، وهذه الدعوة سيكون لها تأثير بالغ جداً في كل الأحداث والتطورات، بل الانتكاسات الشديدة التي جرت طيلة السنوات الماضية ف عالمنا العربي، فقد كانت بمثابة عصا سحرية لـ"تبييض" جانب الحركات والتيارات الدينية لتندفع كثور أهوج في إرباك وعصد المجال العام.

 

آخر رموز هذه الشبكة هو عزمي بشارة، ومجموعة من الباحثين الذين ينضون تحت لواءه. لا غرابة هنا أن بشارة، سيلتزم رؤية الجابري بالتركيز على الديمقراطية عوضاً عن العلمانية باعتبارها إشكالية مصطنعة ولسنا بحاجة إليها، والعلاقة الفكرية بين الجابري وبشارة حميمة، فالأخير يُشبه الأول بأنه "ابن رشد" عصرنا، "وابنِ هذه الحقبة العربية الكبير وكاتبها، وحافظ مسائلها وأسئلتها وإشكالاتها.. الذي علمنا السير في التراث كأنه امتداد للتاريخ والبلاد، للزمن والوطن، كأنه أرض حميمة.. ووضع دليلاً وخريطة تجنِّبه التيه في مساحاته الشاسعة ومسالكه الوعرة.." في كلمة ألقاها بمناسبة حفل تأبينه الأربعيني. في نهاية المطاف يصدر بشارة ثلاثة مجلدات موسوعية تحت عنوان: "الدين والعلمانية في سياق تاريخي"، وفي حلقة نقاشية أقامها "المركز العربي لدراسة السياسات" بمناسبة صدور العمل، لاحظ فتحي المسكيني أن " الكتاب في جملته يراوح بين خيط إشكالي صريح، وهو "نقد العلمانية" من أجل بلورة "أنموج نظري عن العلمنة" بعامة، وخيط إشكالي غير مباشر ضمني أو مسكوت عنه، وهو توفير جملة مركّزة ممّا يمكن أن نسمّيه "تطمينات معرفية" حول منزلة التديّن ومشروعيته المعيارية في أفق المؤمن المعاصر سواء أكان فردً ا أم دولة"، ليواصل المسكيني طرح أسئلته بخصوص مشروع عزمي بشارة وغاياته عن الدين والعلمانية: "هل يكفي أن "نؤرّخ" لقيمة أو مشكلة ما حتى نفهمها؟ لماذا كل هذا التعويل على فهم "تاريخاني" للمسائل؟ أليس هذا عبارة عن سجن مسبق لأفق الفهم ولأفق التفسير ينتمي إلى حقبة سابقة من حقب العقل المعاصر؟ نحن نشعر في بعض الأحيان أنّ الكتاب في لبّه موجّه نحو "جيل" من المحاورين انسحبوا مع أيديولوجية الدولة / الأمة، أي مع انسحاب الأفق العلماني للدولة الحديثة. ربما نحن اليوم قد ولجنا إلى وضعية تأويلية أو خطابية مختلفة".

 

عموما الكتاب صدر عن "مركز دراسة السياسيات" الذي يرأسه عزمي بشارة نفسه، ويهدف إلى تقديم مقاربات ذات اتجاه فكري وإيديولوجي معين، وتدعمه الحكومة القطرية، وهي الحكومة التي تتبنى وتدعم بقوة مشاريع الإسلام السياسي في المنطقة.

بالعودة إلى توكل كرمان وشعارها الجديد "الدولة العلمانية الديمقراطية هي الحل"، وهي على طريقة الشعارات المسلوقة التي اعتاد أن يطرحها نخبة تيار الإسلام السياسي، كيف يُمكن لنا أن نقرأها في هذا السياق الأوسع؟

 

من الواضح أن توكل حاولت أن تجمع شتات المواقف الفكرية المضطربة لهذه الشبكة حيال العلمانية، لتشد من عضدها بالديمقراطية، بالرغم من أنها لم تُحدد شكل هذه العلمانية التي تدعو إليها: الشاملة أم الجزئية، وكما بات متعارف عليه في الأدبيات الخاصة بهم!

وبما إن توكل كرمان ناشطة سياسية، متواضعة من الناحية الفكرية، فلا أظن أنها كانت في صدد الدخول بنقاش فكري حول مسألة العلمانية عندما كتبت جملتها هذه على واحدة من مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وإن كانت وسائل التواصل الاجتماعي تحظى بمتابعة كبيرة، لكن من ناحية أخرى، فإن طرح مسائل على هذا النحو من الإشكالية والتعقيد يظهر الجانب اللاجاد في المسألة، أو ما صرنا نومئ إليه على سبيل التقليل من شأنه بالقول "إنه مجرد فسبكة".

 

فلو أخذنا واحدة من التصورات اللطيفة والمتساهلة، وهي أطروحة محمد أركون، التي تزعم بأن رجال الدين المتشددين هم وحدهم من يحول دون تطبيق العلمانية في العالم الإسلامي ويسعون إلى إحداث تضارب شديد بينها

 

*- أمين اليافعي : برلين