ضرب من تحت الحزام.. الشرعية والتحالف من التمكين العسكري إلى التمكين المقنن
حق العودة إلى قرار الشعب والاحتكام للصندوق مكفول للانقلابيين الحوثيين ومرفوض وممنوع عن شعب الجنوب الذي يمتلك حق تقرير المصير.
هذا الحق كفله رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر الذي تحدى الحوثيين بالاحتكام إلى الاقتراع إن أرادوا تحقيق مشروعهم، وقال في حوار نشرته جريدة الشرق الأوسط اللندنية، أمس الأول: «ينسحبون ويسلمون الأسلحة لجهة محايدة، وبعدها بيننا وبينهم صندوق الاقتراع، الشعب هو الحكم بعد ذلك، سنحتكم لنتائج الاقتراع، على هذا الأساس نحن نقبل التحدي، في الواقع هم يدركون، أي الحوثيين، أنهم الخاسر إذا ما عدنا إلى الشعب».
هذا الحق الذي تعطيه الحكومة اليمنية لجماعة متمردة ذات بعد طائفي وارتباطات خارجية مشبوهة ومعادية لليمن وللأمن القومي العربي.. تنكره على الجنوبيين المطالبين بتقرير المصير، وترفض التحدي الذي يطرحه شعب الجنوب على النظام اليمني وأحزابه بالاحتكام للصندوق وإعطاء الجنوبيين حق الاستفتاء لتحقق مشروعهم بطريقة مكفولة حتى في القانون الدولي.. وبهذا المنطق المزدوج تتعامل الأطراف اليمنية ومنظومتها السياسية الحاكمة مع قضية الجنوب ومع مشروع الشعب الجنوبي نحو تقرير مصيره واستعادة دولته.
الرهان الذي تحدى به بن دغر الحوثيين يبدو أنه رهان خاسر بالنسبة لحكومة الشرعية برمزيتها الفاشلة في الشمال والجنوب، ومع هذا يصر دولة رئيس الوزراء على خوض هذه المغامرة مع الحوثيين كهروب من واقع المواجهة العسكرية في الميدان وإعلان الهزيمة ضمنيا عن طريق العودة إلى الشعب الذي يبدو أن الحكومة لم تعد تعي حجمها لديه وثقته فيها، ولا تريد أن تستوعب كيف غير نظام صالح بتحالفه مع الحوثيين التركيبة السياسية والاجتماعية في الشمال ومناطق الوسط، وكيف أصبحت كل القوى الشمالية تنظر لحكومة الشرعية وتصنفها عدوا استدعى طائرات التحالف العربي لضرب اليمن واليمنيين، وهو موقف تتمسك به القوى المناصرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ ما يرجح بالتالي الحضور الشعبي لرفض حكومة الشرعية والقوى المؤيدة للتحالف العربي، وهذا بحد ذاته ضمان لهزيمة الحكومة في أي انتخابات كما تدعي وتتحدى.
مناطق الشمال وهي صنعاء وما جاورها من محافظات، وشمال الشمال من عمران حتى صعدة والجوف ثم الحديدة غربا، كلها مؤيدة لجماعة الحوثي ورافضة للحكومة والتحالف، وفي مناطق الوسط وتحديدا ذمار هناك معاقل وتواجد باين للزيدية والطائفة الحوثية منها، وفي إب ربما كذلك وإن كان بنسب أقل، أما في تعز التي يبدو أن رئيس الوزراء يراهن عليها فالحال لن يقل، فكم ممكن أن يصل عدد المقيدين في سجلات الانتخابات بهذه المحافظة؟ وماذا يمكن أن تغيره تعز لصالح الشرعية وضد الحوثيين مقابل الكثافة السكانية في صنعاء وشمال الشمال والغرب، هذا في حال التسليم بوحدوية تعز وولاء مكوناتها كافة للشرعية، وهو تسليم قد يكون غير منطقي لما هو حاصل من انقسام داخل تعز وللحضور القوي لجماعة الإخوان المسلمين التي لا تجد حرجا من التحالف مع الحوثيين نكاية بالتحالف والشرعية أو ربما أنها أطراف شرعية تعمل على ضرب التحالف العربي من تحت الحزام.
في الجنوب، من المؤكد أن الشعب سيقاطع بل ويرفض أي انتخابات لا تتضمن تقرير مصيره بطريقة مباشرة، وسيُمنع أي استفتاء أو اقتراع خارج عن توجه الجنوبيين كما مُنعت انتخابات فبراير 2012 لتزكية عبدربه منصور هادي رئيسا لليمن وهو جنوبي، فالحال بعد عاصفة الحزم وسيطرة شعب الجنوب على أرضه سيكون أكثر رفضا لهذا النوع من الانتخابات، لا سيما أن الجنوب اليوم يمتلك مقاومة مسلحة وجيشا ومكونات سياسية على صورة دولة غير معترفة بها، لكنها قادرة على منع أي تمرير لمشاريع شمالية من هذا النوع.
إذن، على ماذا تراهن الحكومة اليمنية في مثل هذا التحدي الذي أطلقه رئيسها؟ ومن هو الشعب المغفل الذي يعتقد بن دغر أنه سيقبل بإعادة نظام أهلك اليمن شمالا وجنوبا، ووصل حد استنزاف دول المنطقة وابتزازها على حساب معيشة الشعبين ودمائهم؟
حكومة الشرعية وجماعة الإخوان النافذون فيها ونظام عبدربه منصور هادي برمته هو من أدخل الحوثيين عمران وتآمر على قيادة الجيش التي تصدت للزحف الحوثي نحو العاصمة، ووقّع هذا النظام مع الحوثيين «اتفاق السلم والشراكة» وأوصلهم إلى القصر الجمهوري كتكتيك يبدو لتمكين الحوثي من مفاصل الدولة عسكريا.
اليوم وبعد أربع سنوات من الحرب والفشل العسكري يبدو أن مسلسل (التمكين) مستمر، ولكن هذه المرة عن طريق الدستور والقانون لا القوة والحرب، وهو ما تشير إليه دعوة رئيس الحكومة الحوثيين إلى صندوق الاقتراع دون قاعدة شعبية أو محددات منطقية ومقبولة لذلك التحدي.
موازين القوى على الأرض في الشمال ترجح كفة الحوثيين عسكريا، والولاء الشعبي هناك هو للحوثيين ونظام صالح البائد، أو على الأقل الولاء سيكون مع من هو ضد التحالف العربي، وبالتالي أي انتخابات أو استفتاء هو نصر حقيقي للمشروع المناهض لحكومة الشرعية والتحالف، ما يعني أن حكومة بن دغر تسعى إلى ضرب التحالف العربي الضربة الأخيرة بالتمهيد لعملية سياسية تفضي إلى انتخابات تعتقد (الشرعية) أنها هي خاسرة فيها وأن الحوثيين سيقبلون بها - أي التسوية - لثقتهم بالنصر والنجاح وفقا للمحددات المذكورة آنفا، وبالتالي تستطيع الشرعية الخروج من اللعبة في اليمن بماء الوجه وتحقق هدف نافذيها بإعادة الخطر إلى الخاصرة السعودية بشكل أبشع ومقنن.
جنوبا، لن يجرؤ بن دغر ولا أي من رموز النظام ومراكز صنع القرار اليمني أن يطلقوا مثل هذا التحدي في الوقت الراهن؛ لسبب وحيد هو اليقين بالتصويت الكلي لصالح الانفصال الذي سيكون بمثابة كارثة على رموز النظام اليمني الذي يستخدم الجنوب والشمال كورقة ضغط يهدد بها دول التحالف العربي ويبتز بها الإقليم.
*- وهيب الحاجب .. شبوه برس عن الأيام