تتجه الأوضاع في تونس إلى مزيد من التصعيد وتنذر بقرب المواجهة المفتوحة بين الحكومة والجماعات الدينية المتشددة، حيث وجّه زعيم السلفية الجهادية والمكنّى بأبي عياض، رسالة لأنصاره تضمنت دعوة صريحة لاقتراب المواجهة مع من سمّاهم طواغيت الحكم بتونس، في إشارة لحركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس.. في وقت أكّدت مصادر مطلعة لـ«البيان» أن الحكومة التونسية تتعاون مع جهات استخباراتية خارجية لملاحقة المتشددين وتحديد حجم المخاطر التي يمكن أن تحدق بالبلاد.
تهديد بالمواجهة
ووجه زعيم تنظيم أنصار الشريعة في تونس سيف الله بن حسين المعروف باسم «أبي عياض» رسالة إلى أنصاره وإلى شباب التيار السلفي والحكومة الحاليّة عبر صفحته الرسميّة على موقع التواصل الاجتماعي دعا فيها إلى «مواصلة الثبات لنشر الدين والدعوة في كامل أنحاء الجمهوريّة وعدم التراجع رغم العراقيل والمصاعب».
وهدّد أبوعياض الذي تلاحقه أجهزة الأمن منذ نوفمبر الماضي، دون العثور على مكان تخفّيه، من سماهم «الطواغيت» في إشارة منه للحكومة وقوات الأمن، من مغبة التصدي للدين وللسلفيين، مشيراً إلى أنّ الشباب السلفي لن يتوانى عن الدفاع عن دينه، حسب تعبيره.
كما هدّد في السياق ذاته بالدخول في مواجهة مسلحة مع كل من يحاول محاربة الإسلام، على حد تعبيره، وقال في تهديداته إلى الحكومة وحركة النهضة: «إلى أولئك الطواغيت المتسربلين بسربال الإسلام والإسلام منهم براء ..
اعلموا أنكم اليوم صرتم ترتكبون من الحماقات ما ينذر بأنكم تستعجلون المعركة ، فقط أذكركم أن شبابنا الذي أظهر من البطولات في الذود عن الإسلام في أفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق والصومال والشام لن يتوانى أبدا في التضحية من أجل دينه في أرض القيروان، ووالله إن تلك البلاد ليست بأعز على شبابنا من بلادنا، فانظروا إلى عواقب الأمور، وإياكم من التمادي في حماقاتكم.. فالعقل العقل، والتدبر التدبر، قبل أن ينفرط العقد، وإني لا أراه إلا منفرطاً».
تنسيق مع الخارج
في غضون ذلك، أوضحت مصادر لـ «البيان» أن الحكومة التونسية تتابع بالتنسيق مع هذه الجهات تحرّكات الإرهابيين في الداخل، وتحديد حجم التنسيق الممكن بينهم وبين جماعات إرهابية خارج الحدود، وخاصة في ليبيا وجنوب الجزائر ودول الساحل والصحراء، مشيرةً إلى أن الحكومة التونسية اتخذت قراراً بمواجهة الجماعات المتطرفة التي باتت تمثّل خطراً على الأمن العام والسلم الأهلي، وأن الأجهزة الأمنية أعدّت قائمة بأسماء وعناوين العناصر المشكوك في صلتها بالإرهاب لملاحقة تحركاتها، كما تقوم جهات مختصة بمراقبة ما يتم ترويجه على مواقع الإنترنت من التهديد المباشر والخطاب التكفيري، على أن تتم مقاضاة المتورطين في ذلك.
وكشفت المصادر أن لدى الأطراف المسؤولة وعياً بخطورة الموقف وبما يمكن أن ينجرّ عن أية مواجهة مع المتشددين.
«الداخلية» تتشدد
في هذه الأجواء، أصدرت وزارة الداخلية التونسية بياناً دعت فيه كل جمعية أو أشخاص أو حزب سياسي ينوى القيام بأنشطة دعوية في الأماكن العمومية إلى ضرورة الحصول على تراخيص مسبقة بـ 72 ساعة قبل النشاط حسب ما يضبطه القانون وبشروط مسبقة، مؤكدة أن كل محاولة للتحريض أو الاعتداء على أعوانها أو مقراتها ستواجه بتطبيق القانون بكل قوة.
وأفادت الوزارة في البيان بأن مجموعات دينية متشددة في جهة سيدي حسين والمنيهلة قامت السبت الماضي بمحاولات نصب خيام دعوية في أماكن عمومية دون الحصول على تراخيص قانونية من السلط المعنية على الرغم من التنبيه عليها بضرورة الحصول على تراخيص مسبقة أو القيام بهذه الأنشطة داخل الجوامع، إلا أنهم رفضوا الانصياع إلى التحذيرات الأمنية.
فابيوس يمهد لزيارة هولاند
يتوجه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اليوم إلى تونس في محاولة لرأب الصدع الذي أصاب العلاقات بين باريس وتونس خلال الفترة الأخيرة، والإعداد لزيارة مرتقبة للرئيس فرانسوا هولاند إلى تونس أوائل يوليو الماضي بعد تأجيلها في مناسبات عدة.
وقال الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية فانسان فلورياني إن «فابيوس سيعقد خلال زيارته إلى تونس التي تدوم يوماً واحداً، سلسلة من المباحثات مع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة علي العريّض، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر».
وذكرت مصادر مطلعة لـ: «البيان» أن فابيوس سيلتقي بعدد من زعماء المعارضة من بينهم رئيس حركة نداء تونس الباجي قايد السبسي الذي سبق وأن اجتمع معه في باريس في يناير الماضي.
وأشار الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية إلى أن المحادثات الفرنسية التونسية ستركز على العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
دعم متواصل
وكشف فلورياني عن أن فابيوس سيؤكد مجددًا للجانب التونسي ثقة باريس في عملية الانتقال الجارية بتونس وتضامنها معها «في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ تونس».
وبحسب فلورياني فإنه من المنتظر أن يسلط فابيوس الضوء على حتمية أن تسود روح المسؤولية بين جميع الأطراف التونسية بحيث يتم الانتقال السياسي بطريقة سلمية وديمقراطية، مذكراً أن تونس تعد بالنسبة لفرنسا الشريك الأول، مشيرًا إلى أن باريس لم تدخر جهدًا لدعم هذا البلد الصديق «الذي ألهم قبل عامين التغيرات التاريخية التي يشهدها العالم العربي»
شكوك الإسلاميين
وتأتي الزيارة في الوقت الذي يبدي فيه الإسلاميون التونسيون بجميع فصائلهم امتعاضاً مما يعتبرونه انحيازا فرنسيا للقوى السياسية العلمانية والمدنية وللنخب الثقافية في البلاد، خصوصا بعد أن بادرت باريس برفع الستار عن مجسّم نصفي للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وقامت بإطلاق اسم مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل فرحات حشاد، وهو ما رأى فيه قياديون إسلاميون انحياز فرنسي للنقابات التونسية ذات التوجه الراديكالي.
انتقاد منظمة
طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس من المجلس التأسيسي في تونس تعديل فصول في مشروع الدستور تُمثل تهديدًا لحقوق الإنسان.
وأكّدت أن من بين الفصول الأكثر إثارة للقلق عدم الاعتراف بكونية حقوق الإنسان إلا إذا كانت تنسجم مع «الخصوصيات الثقافية للشعب التونسي»، وعدم التأكيد على حرية الفكر والضمير، والصياغة الفضفاضة للقيود المسموح بفرضها على حرية التعبير.
رسائل اطمئنان
تسعى حركة النهضة التونسية إلى طمأنة الدول الأوروبية وخاصة فرنسا أن علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن لن تكون على حساب علاقاتها التقليدية مع باريس ودول الاتحاد الأوروبي، وأنها لا تنوي المساس بالنموذج المجتمعي التونسي المنفتح على الضفّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، ولا بالحضور الثقافي الفرنسي في تونس، ولا بوضعية اللغة الفرنسية كلغة ثانية في المؤسسات التعليمية التونسية.