أُحاديّة القطب بين الثّبات والأفول

2022-03-05 17:21

 

لا أحد يستطيع التكهن بتبعات تصاعد الأحداث على ضفاف البحر الأسود وشرق أوربا، فقد تطايرت حمم جحيم الحرب بضراوة هناك، ويبدو أنّ الدب الروسي قد تململ مما يجري حوله، خصوصاً وتهديدات الٱخر - امريكا / النّاتو - باتت تصل حدّ الإستقرار لصق حدوده إن ضُمّت أوكرانيا الى الناتو، والوضع ينذر بمٱلاتٍ لايمكن تخيلها بعد دخول التّلويح بالإستعداد بالنووي في الأحداث، أو أن يضطر أيٌ من الطرفين بتقديم تنازلات مكلفة وربما مُهينة لتجاوز التّصعيد الجاري.

 

لقد عربدت امريكا بصلف مفرط في الساحة الدولية فيما مضى ، وهذا تفاقم بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومته بداية التسعينات ، وكان الأكثر إيلاماً لهم إنضمام الكثير من دوله ومن حلفه الى الناتو الغربي ، وأوكرانيا هي الأخرى تصبو الى ذلك اليوم ، وهي لها ثقلها النوعي وتأريخها وجغرافيتها المؤثرة بهذا الصدد على موسكو ، ولهذا الأمر خطورته الجدية على الوجود الروسي وكيانه ، وربما على إستمرارية بقائه على الخارطة عموماً.

 

هنا لم يجد الرئيس بوتين خيارات أخرى على الطاولة، خصوصاً والخطاب الأمريكي والغربي عموما يتعاطيان معه بمعيار العدو الدائم في كل الظروف، واليوم يجسّدون ذلك فعلياً بإلتفافهم الضاري عليه، فلم يكن ثمة بدّ من قلب الطاولة لفرضِ ما أقدم عليه بالحرب على أوكرانيا، وروسيا لديها من القدرات القتالية الكفيلة بإحداث زلزلة هائلة في كل الأرجاء ولاشك الحروب عموما وحروب العمالقة تحديداً لها وقعها المدمر وتبعاتها الكارثية حيث إندلعت ، وفي أذهاننا مخرجات وتبعات حروب الغول الإمريكي في منطقتنا في العراق ، والمشاهدات من أوكرانيا اليوم تدمي القلب بمناظر القصف والنازحين من الأطفال والأمهات ، لكن لماذا عمدت سلطتها - زيلينيسكي - الى تعمد إختلاق الإستفزازات الصارخة مع الدب الروسي ؟ لانسقطُ هنا الإغراءات والإملاءات العابرة للحدود من وراء الأطلسي ومن الجوار الأوروبي ايضاً، ثم أنّ المخفي لجهة التّفرد التام بخارطة العالم ولجم الدب وتكتيفه و ... و ... يمكن أن يقول لنا بالكثير بهذا الصدد.

 

لا يتكشّف الكثير خلال هوجة الأحداث العالمية العاصفة والطّفرات المروعة من الأحداث فيها ، وإن كان تدافع سيل العقوبات الإقتصادية وتصاعدها المثير بحق روسيا يمكن أن يُنبئ بشئ ما كما يبدو ، وأمريكا كعادتها تمكّنت بإيماءةٍ من لَمّ قطيع القارة العجوز خلفها بكل يسرٍ ، ورغم التّأثيرات السلبية التي ستطال دولها من فرض حزمة العقوبات القاسية على روسيا ، ولكن القطيع يجب أن ينصاع وإلاّ .مع أني لا أُميل الى إنتهاج الحروب سبيلاً لحل النزاعات وخلافه ، ولكن من المهم أن نُذكّر مثلاً : أن امريكا وفي وجود الإتحاد السوفييتي قد سحقت نظام سلفادور الليندي الٱشتراكي في تشيلي أمامه والعالم أجمع ، وقوّضت الثورة السّاندينية الإشتراكية في نيكاراجوا بقسوة ، كما إقتلعت الرئيس البنمي دانيال أورتيجا من قصره عنوة وسجنته ، ومثلهُ القس الهاييتي أريستيد رئيس هاييتي الشرعي ونفته الى الكونغو قسراً ونصّبت بديلاً له ، ولاحديث عن أفغانستان والعراق ! فأين كان القانون الدولي وكل الهيئات الدولية؟! مع كل ذلك لم يبقَ إلا أن ننتظر الى ماذا سيسفر هذا التّصاعد المجنون والمأساوي للأحداث في شرق أوربا، أليس كذلك؟!