مصلحة وضرورة.. لهذا تتعامل السعودية باهتمام مع مجلس القيادة الجديد

2022-04-29 22:41
مصلحة وضرورة.. لهذا تتعامل السعودية باهتمام مع مجلس القيادة الجديد
شبوه برس - خـاص - عـــدن

 

استدعاء المملكة العربية السعودية لمجلسِ القيادة اليمني ولقائه بالملك سلمان بن عبدالعزيز يؤكد على الأهمية التي توليها المملكة لهذا المجلس، وعلى حرصها لإنجاح المهمة المُـناطة بهِ محليا وإقليميا. المهمة التي حددتها له المملكة بعناية فائقة غداة تشكيله مطلع الشهر الجاري وهي: احتواء كل الأطراف والقوى الشمالية والجنوبية- المحسوبة على معسكر التحالف المناهضة للحركة الحوثية (أنصار الله)، وضمه في إطار سياسي واحد ينهي حالة الانقسام الحاد داخله، ولتهيئةً لفتح حوار مباشر مع الحركة عطفا وإنفاذاً لقرارات الحوارات الغير معلنة التي تجريها المملكة مع حركة الحوثيين في مسقط، ومع إيران في بغداد.

فتشكيل هذا المجلس مثّـل ضرورة ومصلحة سعودية قبل أن تكون ضرورة وحاجة يمنية، فمن خلاله تكون المملكة قد رممت معسكرها المتصدع ووحدت رؤوسه المتشعبة برأس قيادي واحد كخطوة نحو رفع يدها عن الحرب تماما،ووضع اللمسات ليمن ما بعد الحرب.

 

فبعد تأسيس الرياض لهذا المجلس تكون قد حالت الأمر لأصحاب الشأن، و بعد ان تخلت عن مبرر حربها ومشروعيتها أمام المجتمع الدولي، ونعني هنا الرئيس هادي ونائبه الذي لطالما قالت المملكة أنها تدخلت بهذه الحرب استجابة لطلب رسمي وشرعي منه (هادي) باعتباره سلطة يمنية شرعية منتخبة ومعترف بها المجتمع الدولي وبأن استمرارها سيظل قائما ما بقي الطلب وبقي الرئيس بموقعه.

 

فبعد الاستغناء السعودي عن الرئيس هادي ونائبه المخلص لها اللواء محسن الأحمر، أو لنقل بعد  التضحية والإطاحة بهما على مذبح المصلحة السعودية تكون المملكة قد تخلت عن مشروعية وجودها وحربها لما هو أبعد وأهم من ذلك، فهذه الاطاحة مؤشرا صريحا منها ليس فقط على إذعانا لأهم شروط الحوثيين (التخلي عن الرئيس ونائبه)، بل هي أيضا رسالة صريحة لغير الحوثيين بالداخل اليمني والمجتمع الدولي مفادها بأن المملكة السعودية عاقدة العزم فعلا على رفع يدها من محنتها باليمن والخروج من دوامة هذه الحرب ورمي الكرة بملعب اليمنيين ليتدبروا شأنهم بوقف الحرب وتسوية أزماته وقضاياه السياسية بما فيها القضية الجنوبية برعاية أممية لا خليجية بحسب البيان الذي أصدره مجلس التعاون الخليجي ختام مشاورات الرياض الأخيرة.

ولتشجيع مجلس القيادة اليمني على إنجاز مهمته نرى المملكة تلوح له ببعض الوعود المالية والاقتصادية وتعامله على أرقى مستويات التعامل الدبلوماسي- إلى حين طبعا-. كما نشاهده اليوم بلقاء الملك مع قيادات المجلس، كدلالة لا تخطئها عين على أهمية المهمة المتوخاة سعوديا من هذا المجلس.

عِـلماً أننا حين نتحدث عن خروج المملكة من الحرب باليمن لا يعني هذا أننا نقصد أنها سترفع يدها تماما عن اليمن أو انها ستتخلى عما حققته مؤخرا من مكاسب مهمة لها باليمن تمثلت بترسيخ وجودها العسكري والسياسي وتعزيز حضورها الاجتماعي وتأثيرها السياسي الطاغي الذي سجلته بهذه الحرب كامتداد لحضور وهيمنة قديمة.. فالعين واليد السعوديتين كانتا وستظلان جاحظة ومؤثرة تنظر وتفعلُ عن كثب لكل الترتيبات والتطورات السابقة والقادمة بالداخل اليمني.

فالمملكة كانت وما تزال ترى باليمن منذ عقود طويلة حديقتها الخلفية وضيعتها الوارفة التي لا تفرط بها مطلقا، كما باتت (المملكة) مؤخرا ترى في اليمن (كعب أخيل) وحلقة امنها الأضعف وبالذات بعد صعود الحركة الحوثية للمشهد اليمني وسيطرتها على كل الشمال اليمني.

وعطفا على هذه الحقائق والوقائع لا يعني أن رغبة السعودية بالخروج من الحرب وطي صفحتها سيعني تخليها عن سياسة الهيمنة التاريخية التي ظلت تنتهجها حيال جارتها الجنوبية، فالشهية السعودية للكعكة اليمنية أزدادت انفتاحا بعد أن أضحى هذا البلد شمالا وجنوبا حُطاما كسيرا منزوع الأنياب والمخالب، وبعد أن زاد الهاجس الأمني السعودي قلقا وتوجسا على  بوابتها الجنوبية، خصوصا وأنها أي السعودية صارت اليوم تدرك مدى تعمق حالة الكراهية وكمية الأحقاد بوجهها من قطاع واسع جدا من اليمنيين- وفي شماله تحديدا- نتيجة أضرار الحرب وهجمات الطيران القاسية وحالة الحصار وما خلفته وخلفه من ضحايا وويلات وجراح غائرة يصعب أن تندمل وتُـنسى بسهولة، وهي الحقيقة التي باتت تعلمها السعودية جيدا وتحسب لها اليوم الف حساب أمنيا وعسكريا حاليا وحتى بعد انتهاء الحرب وحدوث التسوية السياسية، فسيظل ترمومتر الهاجس الأمني السعودي مرتفعا من فرضية وقوع  تهديد أو انتقام يمني، سواء كان يمنٌ أو يمنان أو أكثر.

*- صلاح السقلدي ـ كاتب ومحلل سياسي