أربعة أجيال وسراب المقيل!!

2022-08-07 17:54

 

هذه ليست قصة من وحي الخيال ولا أضغاث أحلام في المنام بل واقع أمر من الصبر والحنظل،في الجنوب  نرى حلمنا يموت  كل يوم أمام أعيننا ويظل  سرابا نراه قريبا منا ويحسبه الظمآن ماء وهو  بعيد كل البعد وتتشكل تموجات المقيل والظهيرة فيه كموج البحر وكلما اقتربنا منه يزداد بعدا ويعرف لدى العامة باسم " سراب المقبل " !!

باختصار شديد هذه حياتنا وحياة آبائنا وأجدادنا وحياة أبنائنا  وأحفادنا حتى اليوم ..أربعة أجيال وربما خمسة لم تعرف طعم الأمن والاستقرار في وطنها وعاشت في دائرة الضياع  في حياتها القبلية ودفنت أحلامها معها عندما ماتت في حروب  وثارات ومسلسل من القتل لا ينتهي .

وعندما تمدد النفوذ البريطاني من عدن الى بقية  الامارات الجنوبية شعرنا ببعض الأمن  والأمان لبضع سنين تراجعت فيها الثارات القبلية كما تم انجاز بعض المشاريع العصرية في مجالات : التعليم والصحة والزراعة   ولكن سرعان ما عصفت بالوطن الجنوبي الثورات  وكثر القتل وانتشرت الفتن وأحيا بعض الموتورين الثارات القبلية المندثرة  منذ العصر الجاهلي واستدعوا ثارات كليب وحرب جساس والبسوس وسادت الاغتيالات باسم السلطة الحاكمة الجديدة بعد الاستقلال ودخل الجنوب مرحلة من الضياع وتنكرت السلطة الحاكمة لتاريخ الوطن  وهويته بل وأضاعت بوصلته وثوابته الوطنية والتاريخية وتنكرت لدينه وموروثه الحضاري وأدخلت مناهج ومفاهيم غريبة وشاذة تتعارض مع قيمنا وأصالتنا العربية والإسلامية وأشعلت حرب 13 يناير عام 1986م وكانت محصلتها سقوط الوطن الجنوبي في أيدي تجار الحروب  والظلاميون والأوغاد فضموه الى ممتلكاتهم الاقطاعية باسم الوحدة !!

وطالت أيديهم العابثة كل شيء فوق الأرض وما في بطن الأرض من نهب لخيراته وثرواته .

وبالمحصلة ضاع مستقبل ليس جيل واحد من أبنائنا بل عدة أجيال ونشاهد كل اليوم شباب أبنائنا يذوي أمام أعيننا ونرى الدمع وقد تجمد في محاجرهم وتمزق نظراتهم نياط القلوب وهم أمامنا وقد تبدلت سحنهم وملامحهم وبدأت شعيرات الشيب تغزو رؤوسهم ونشعر بوجعهم وهم يتكورون من الإحباط والألم بعد أن نالوا أعلى الشهادات الجامعية  ولكن لا مستقبل لهم خارج وطنهم أو داخله أو  حتى العودة والعيش تحت سمائه أصبحت  من المحرمات وضرب من المستحيل  بعد أن دمره الغزاة والبرابرة والأغراب والقتلة على شكل موجات بشرية متوالية ترفع شعارات عنوانها  الرحمة وفي باطنها العذاب ، وأصبح مرتعا خصبا للضباع والثعالب وكل هامة ولامة من أصقاع الأرض  وابن الجنوب صاحب الأرض أصبح  غريبا طريدا شريدا فيها !!

انه ثمن باهظ ندفعه جميعا ولا ذنب لنا فيه الناس في وطني باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية، فالمواطن محدودب الظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها الحكومات والأحزاب المتعاقبة وأصحاب النفوذ على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية التي كان لهم اليد الطولي في وجودها فلم تجد بدّآ لستر عجزها إلا بفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه، يضربونه أكثر ما يطعمونه، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والحليب القليل والماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة. 

أنا لم أرَ في اليمن اليوم إلا أبطالاً في قبور ولصوصاً في قصور، وأغنياء على ذل الفقراء يغتنون، وحكاماً على جثث الناس يرقصون، ونواباً لا يتغيرون، ووزراءَ في مواضيع الإنشاء يتنافسون، ويلعبون فيما بينهم لعبة الكراسي !!

وبعد الموت يظلون يبتلعون، وبالدين يقتلون ويكفرون، وغباء بالجملة، وقطعاناً يسيرون، في ظل نظام قمعي  يقوم على سحق  الشعب في الداخل، وإبقائه على الجهل والتخلف حتى يستمر في منصبه، وتكييف العلوم وبلورتها بما يتناسب مع أيدولوجيته، تشكيل الشعب بقالب معين، وتدجينه وفق أيدلوجية معينة، محاربة المنطق وبث المناطقية والفرقة  وإشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري، أو إيهامه بعدو ما وتحميسه ضد هذا العدو، استغلال الدين لتثبيت حكمه، إبقاء الشعب في حالة فقر وعوز دائمين حتى يكدح الشعب وينشغل بطلب العيش ، ونشر الفساد وزرع الأحقاد في المجتمع، وتفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً ولكن نقول لهم هيهات كل ظلام يتبدد بطلوع الفجر وهذه سنة الكون  والله المستعان .

د. علوي عمر بن فريد