لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن لتل أبيب بعد يوم واحد على قصف الطيران الإسرائيلي لمستشفى غزة الأهلي المعمداني مصادفةً خاليةً من الدلالة فالرجل كان يعلم بالحادثة وكان كل مسعاه هو إقناع الزعماء العرب الذين كان يخطط للقاء بهم بإدانة حماس وأحداث يوم 7 أوكتوبر والقبول بتهجير سكان غزة إلى خارج فلسطين، وكان الطرح الأكثر ترجيحاً هو بناء مناطق سكنية لهم في صحراء سيناء المصرية، ليتفرغ من سيرث ناتانياهو لسكان الضفة الغربية في إجبارهم على النزوح إلى الأردن أو أية منطقة عربية، وفق مشروع بدأ الحديث عنه منذ سنوات، لكن بايدن تقبل قرار ملك الاردن ورئيسي مصر وفلسطين بإرجاء الموضوع إلى وقت لاحق بعد أن نجح الإسرائيليون في اختبار المدى الذي يمضي فيه في تأييدهم من خلال قصف المستشفى بمن فيه من المرضى والأطباء والنازحين، فكان لهم ما أرادوا.
زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتل أبيب كان الهدف منها تقديم نوع من الدعم المعنوي للمجتمع الإسرائيلي أكثر منه لبنيامين ناتنياهو، فالتقارير الإعلامية، بما في ذلك الإسرائيلية تؤكد أن الصدمة النفسية التي تعرض لها الإسرائيليون الذين تم جلبهم من شتى بقاع العالم ووُعِدوا بالسلام والرفاهية وعيش الحياة الرغيدة التي لم يلاقوها في مساقط رؤوسهم، هذه الصدمة العنيفة خلقت نوعاً من الإحباط والهزيمة المعنوية واليأس من أمكانية العيش في (أرض إسرائيل) (كما يسمونها). وتشهد الكثير من الدلائل على تنامي حالة الرغبة في الهجرة المعاكسة من إسرائيل والعيش في أوروبا أو أمريكا، حيث معظم الإسرائيليين (باستثناء بعض اليهود الشرقيين) يحملون العديد من الجنسيات المزدوجة، ومن لا يملك هذه الجنسية سيحصل عليها فهجرة الإسرائيليين إلى أوروبا والأمريكيتين والإقامة هناك هي أسهل من الذهاب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في حيفاء أو عسقلان.
الرئيس الديمقراطي لم يفعل ولم يقل جديداً سوى ترديد مواله القديم "لو لم تكن إسرائيل موجودةً لأوجدتها" كما كرر ما سبق وإن قال به عن الدعم المطلق لإسرائيل في "الدفاع عن نفسها"، معيداً نفس الحديث الذي استند فيه على ما تلقاه من الإعلام الإسرائيلي عن اختطاف الأطفال واغتصاب الجدات وما إلى ذلك مما يستعذب تكراره مما تنتجه مطابخ الإعلام الصهيوني التي تبني مادتها الأساسية على الكذب والتزييف وتقنيات الفوتوشوب. فبايدن لا يتخيل أن إسرائيل وإعلامها يمكن أن يكذبا، ولم يتعلم من قصة الرؤوس المفصولة، التي اعترف البيت الأبيض أن الرئيس تلقاها عبر مصادر إسرائيلية ولم يتأكد من صحتها.
الديمقراطي بايدن تحدث عما جرى يوم ٧ اوكتوبر وكأنه اليوم الأول في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وطبعاً لم يتعرض لأسباب وخلفيات هذا الحدث ولا عما ارتكبته إسرائيل من جرائم منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، ومن غير شك إنه قد شاهد مجزرة المستشفى المعمداني التي قارب عدد ضحاياها الخمسمائة شهيدٍ وأضعافهم من الجرحى وجميعهم إما مرضى وإما أطباء وممرضون وإما نازحون، لكنه لا يرغب في الحديث عن هؤلاء، ولا عن ألف طفل هم ضحايا العدوان الإسرائيلي على مدى أسبوعين فقط من القصف المستمر على كل مَعلَم من معالم الحياة الإنسانية في غزة.
بعض المعلقين الإعلاميين الجادين والساخرين علقوا بأن بايدن جاء فقط ليقدم التهنئة لناتانياهو على نجاحه في قصف المستشفى وقتل وإصابة هذا العدد من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، ويقول لهم واصلوا إبادتهم، فهؤلاء مجرد وحوش بشرية كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، دعكم من حديثه عن المائة مليون دولار دعماً إنسانياً لأهل غزة أو الحديث عن إدخال الإغاثة عبر معبر رفح والتي ستصنع إسرائيل ألف سبب وسبب لإعاقتها.
الرئيس الأمريكي ديمقراطي.
وإسرائيل "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".
هؤلاء الديمقراطيون يقتلون النساء والأطفال والعجزة وجميع المدنيين الفلسطينيين، ويقصفون المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس فوق من فيها من البشر ويتغنون بديمقراطيتهم وحضاريتهم.
ألا لعنة الله عليكم وعلى ديمقراطيتكم،
كيف تريدوننا أن نقنع حكامنا (غير الديمقراطيين)، بأن يفتحوا لنا أبواب الديمقراطية ونحن نرى ما ترتكبه ديمقراطيتكم المقيتة من جرائم يندى لها جبين كل ذي ذرة من الضمير والخجل.
*- د عيدروس نصر النقيب – برلماني وكاتب سياسي جنوبي