تقرير: النيل بإثيوبيا بين آفاق التنمية وقلق الجوار

2013-08-16 11:47
تقرير:  النيل بإثيوبيا بين آفاق التنمية وقلق الجوار
شبوة برس - متابعات

بثت سكاي نيوز عربية تقريرا مطولا عن نهر النيل في إثيوبيا، إذ تختلف مصالح الناس ومآربهم حول تجمعات الماء أو مجراه في إثيوبيا، وتتعدد على أثر ذلك نشاطاتهم ومهنهم، ولكنها تتفق على قيمة واحدة هي الرغبة في البقاء والعيش دون أجراس الخطر وموارد الهلاك.

 

 غير أنه للماء في اثيوبيا قصة وقضية. فالمنطقة المعروفة بهضابها العالية ومرتفعاتها الشاهقة ومناخها الاستوائي الممطر جعلت منها أحد بلدان القارة الأفريقية الغنية بالمياه. إذ تصل المياه السطحية المتجددة فيها سنوياً إلى نحو مائة واثنين وعشرين مليار متر مكعب، مصدرها كميّات غزيرة من الأمطار التي تهطل خلال العام بمعدلات متفاوتة.

 

 تتألف هذه المياه السطحية من اثني عشر نهراً واثنتين وعشرين بحيرة، ومخزونا كبيرا من المياه الجوفية المتجددة، يفوق مليارين ونصف المليار متر مكعب.

 

 بيد أن البلد بحسب الإحصائيات الرسمية لا يستغل إلا نحو اثنين في المائة فقط من هذه الكميات سنويا. وهي حقائق تشير إلى قدرة إثيوبيا على مستوى الموارد المائية في تحقيق تنمية ونهضة استراتيجية لإنسانها على صعيد إنتاج الكهرباء.

 

 وتشير دراسات حديثة إلى أن الطاقة الكهربائية التي يمكن أن تولّد من مياه الأنهار في إثيوبيا قد تزيد عن أربعين ألف ميغاواط.

 

 غير أن إثيوبيا كغيرها من بلاد القارة الإفريقية، لاحقها شبح الحرب والمجاعة سنين عديدة. إذ انشغلت البلاد بحروبها الخارجية مع إريتريا منذ الستينات، وعلى مدى ثلاثة عقود أو يزيد. وعامين من حرب الأوغادين مع الصومال في سبعينيات القرن الماضي، هذا بالإضافة إلى حروبها وثوراتها الداخلية التي استمرت نحو بضعة عشر عاما، وانتهت بإطاحة نظام منغستو هايلي ميريام  عام 1991.

 

جميع هذه العوامل جعلت إثيوبيا تعيش في تيه من الأزمات المتلاحقة التي لم تكرس البتة استقرارا يجعلها تلتفت إلى استغلال ثرواتها المائية الكبيرة.

 

 لكن ومنذ التسعينيات من القرن الماضي، اتسم عهد رئيس الوزراء الراحل ميلس زيناوي بشكل من أشكال الاستقرار السياسي والأمني، وبدأت البلاد تأخذ تدريجيا موقعها على الخريطة السياسية والاقتصادية.

 

 وبات التوجه إلى مشروعات التنمية أمرا لا مفر منه، في مواجهة نمو سكاني مضطرد تجاوز اليوم ثمانية وثمانين مليون نسمة. يرافقه تزايد في الطلب على الطاقة، وهي إحدى الأسباب التي أفضت بكثير من سكان البلاد إلى اللجوء للقطع الجائر للغابات في عدد من مناطق البلاد.

 

 في بحيرة تانا بمنطقة بحر دار، يقطع السكان مسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات ببضاعتهم، من أحدى ضفتي البحيرة ذات الغابات الكثيفة، إلى الضفة الأخرى، حيث توجد إحدى أهم أسواقهم. لقدأصبح الخشب سلعة يفيء إليها الناس لقضاء مآربهم. وفي هذا السوق بالمنطقة ذاتها، يلتئم شمل الباحثين عن طاقة رخيصة، تسد حاجتهم وتفي بأوليات متطلباتهم اليومية.

 

 وتقول مواطنة إثيوبية  "نحن نعاني نقص الطاقة الكهربائية، وليس لدينا سيولة بما فيه الكفاية  لتوفير طاقة نظيفة. لذلك نلجأ الى الخشب لحل هذه المشكلة. نستخدمه بصورة يومية  في الطبخ والتدفئة والبنيان والأثاث، ونعتمد عليه اعتمادا كبيرا في كثير من شأننا.

 

 تقدر مساحات الغابات حول بحيرة تانا الإثيوبية، بنحو ستة عشر ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة على الرغم من أنها شاسعة، فإنها تعاني من تراجع مستمر بسبب عمليات القطع العشوائي غير المنظم، والكثافة السكانية العالية حول البحيرة، واعتماد أغلبهم على الخشب في شؤون حياتهم المختلفة، بينما يراهن خبراء على أن ذلك من شأنه أن يؤثر على مناخ المنطقة، وقد يتسبب بكوارث طبيعية إن لم تسرع الحكومة في توفير الطاقة الكهرومائية بالحجم الذي يغطي احتياجات الناس.

 

 ويقول الباحث في شؤون البيئة إشتي ديجين " هناك كثافة سكانية عالية في هذه المنطقة. أكثر من مليوني شخص يعيشون هنا، ما يزيد من معدل تعري التربة نتيجة قطع الأشجار، الأمر الذي يزيد من كميات الطمي المتراكمة في البحيرة وهذه يؤثر سلبا على التنوع البيولوجي في محيطها، إذا لا بد من التعامل مع مشكلة قطع الأشجار. بدأت الحكومة الإثيوبية برنامجا لإدارة المصادر الطبيعية في المنطقة، وهو أمر سيقلل من معدلات الطمي في البحيرة. ارتفاع معدلات الطمي لن ينعكس سلبا على التجمعات السكانية المحيطة بالبحيرة فحسب، بل على كل دول المعبر".

 

 في بحيرة تانا وما حولها، تجتمع مآثر الماء على البشر والشجر والحيوان. كما هي ايضا تمثل رحم ينبوع مياه النيل الأزرق الدفاق. يعلق الإثيوبيون آمالا عريضة على المياه التي تصدر من البحيرة التي تعد رابع أكبر بحيرة في إفريقيا، في إحداث فارق تنموي في بلادهم.

 

ومن هذه البحيرة يولد نهر النيل الأزرق مندفعا بعنفوان مزمجر، من رحمها. وفي شلالات النيل الأزرق، أو ما يطلق الإثيوبيون عليها اسم شلالات "تس آباي"، يبدأ النهر مسيرته الفعلية بتدفق ثوري من علو مرتفع. تلتقي المياه القادمة من بحيرة تانا مع تلك التي تسيل بفعل تساقط الأمطار في شلالات تس آباي، لتسقط  من علو يناهز الأربعين مترا، مانحة النيل الأزرق بانحدارها هذا، قوة دفع وجريان قصوى تمكنه من قطع آلاف الكيلومترات.

 

منظر تدفق المياه بغزارة ربما يفصح عن كمية المياه التي تضخها البحيرة، بالإضافة إلى عدد من روافد الأنهار الأخرى، في النيل الأزرق في مجراه الطويل.

 

الأرقام تتحدث عن أن النهر يحمل  سنويا نحو خمسين مليار متر مكعّب من المياه، تمثِّل ما نسبته تسعة وخمسون في المائة من إجمالي كمية مياه نهر النيل الواصلة حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط، والبالغة نحو أربعة وثمانين مليار متر مكعب.

 

 وهو معدل يقول الإثيوبيون إن لهم فيه ناقة وجمل، وإن المنطق يخولهم الحق في استغلال ما شاءوا منه، دون ضرر بالغ  يلحق بالدول التي تشاركهم النهر، حجج باتت تمثل للإثيوبيين عروة وثقى يتمسكون بزمامها.

 

فالمسافة التي يقطعها النيل الأزرق من بحيرة تانا الى أن يبلغ الحدود السودانية تساوي نحو أربعمائة كيلومتر، وهي مسافة طويلة يأخذ فيها النهر تعرجاته المتعددة، نزولا وعلوا على الخارطة، بسبب تضاريس الطبيعة المتباينة.

 

ذات العلل وأسبابها، دفعت كلا من إثيوبيا ودول منبع حوض النيل، إلى التحرك بشكل جدي لوضع إطار شرعي يخولها استغلال مياهه، وفرض اتفاقية إطارية جديدة تعيد تقاسمه في اتفاقية عنتيبي بأوغندا عام ألفين وأحد عشر، ولوضع حد لما تعتبره سيطرة كل من مصر والسودان، واستحواذهما على كل امتيازات التقاسم على موارد مياه الحوض.

 

ويقول رئيس مكتب تنمية الموارد المائية  إيتاشيو جنبر لسكاي نيوز عربية "% 86 بالمئة من مياه النيل تنبع من إثيوبيا، لكن البعض يقول إن إثيوبيا تهدر الموارد المائية وهذا غير صحيح. نحن نقدر حق دول النيل في استخدام المياه كما أن لنا حق في هذه المياه. رسالتي هي أن هناك ما يكفي من الموارد المائية للاستهلاك الإثيوبي ودول المعبر الأخرى مجتمعة.  

 

اتفاقيات تقاسم مياه النيل السابقة، أبرمت في عهد الاستعمار الانجليزي، وكانت حينها مصر والسودان بحسب دول المنبع تحظى بأفضلية بين دول حوض النيل بالنسبة لبريطانيا، باعتبارهما اثنتين من أهم مستعمراتها في ذلك الحين، وهو ما حدا بالدول الأخرى إلى اعتبار أنها غير منصفة، لا بل مجحفة بحقهم. فالسلطات الإثيوبية لا ترى أي حرج في أن تشق كل دولة طريقها نحو التنمية، باستثمار مواردها، دون أن يؤدي ذلك إلى المواجهة.

 

وفي تصريحات  خاصة لسكاي نيوز عربية  يقول مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي بركات سيمون "هناك ضغوط لمنع دول المنبع من استغلال ثرواتها المائية. هذه دول فقيرة ولديها شح في مصادر الطاقة، كما عانت فترات جفاف متكررة. أول ما اقترحناه هو إلغاء اتفاقية عام تسعة وخمسين. والخطوة الثانية هي صياغة اتفاقية جديد تأخذ في الاعتبار مصالح جميع دول المنطقة. إثيوبيا لا تريد اتفاقية إقصائية. لا يمكن التغاضي على مصالح مصر أو السودان أو إثيوبيا في الاتفاقية الجديدة. لا بد من موافقة جميع الدول عليها، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون اتفاقية جامعة تأخذ في الاعتبار مصالح هذه الدول. يؤسفنا أن الجانب المصري لا يقدر احتياجات الدول الأخرى. نعرف يقينا أن مصر لن تخسر عندما تتقدم إثيوبيا والسودان تنمويا والعكس صحيح. فالتنمية ستكون عاملا مكملا وحيويا لجميع هذه الدول".

 

إذا، القضية هي قضية طاقة.. تفضي إلى تنمية مستدامة وإنعاش لاقتصاد مهزوم ، هكذا ينظر الإثيوبيون إلى مشاريعهم على منظومة نهر النيل. مشاريع  تهدف في أغلبها إلى استثمار مياهه لتوليد الطاقة وفق خطة يقول مسؤولون عنها  إنها استراتيجية وبعيدة الأمد، ومن شأنها أن تغير من حال البلاد إلى ما هو أفضل.

 

فالماء والكهرباء باتا وفق خطتهم عمادا لدولة تزخر أراضيها  بالمياه المتدفقة. وهي جدلية فتحت الباب على مصراعيه أمام سباق محموم في دول حوض النيل لاستغلال موارده المائية. استغلال إذا لم تتوافق عليه الدول بأسس واضحة من التنسيق والتوافق، فإن ذلك من شأنه أن ينذر بخلاف قد يصل إلى حد المواجهة.